لأكثر من 150 عاماً، جرت العادة على أن ينتظر الأميركيون إعلان المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية اتصاله بالمرشح الفائز لتهنئته بالفوز وإعلان دعمه للرئيس الجديد، وهو ما يمثّل إقراراً حاسماً بشرعية العملية الديمقراطية.

بدأ هذا التقليد عام 1860، عندما بادر السيناتور ستيفن دوغلاس بالتواصل مع الرئيس إبراهام لينكولن ليهنئه بالانتصار الانتخابي. وقال دوغلاس: "يجب أن يذعن الشعور والولاء الحزبي للوطنية، أنا معكم يا سيدي الرئيس، بارككم الله". وجاءت هزيمة دوغلاس بعد عامين من انتصاره على لينكولن في انتخابات مجلس الشيوخ على أحد مقعدي ولاية إلينوي.

Ad

ومن أهم خطابات قبول الهزيمة في العقود الأخيرة، الأول ألقاه المرشح الديمقراطي آل غور عام 2000، والثاني ألقاه السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين عام 2008.

وفي 2000، لعبت المحكمة العليا دوراً أساسياً في حسم الخلاف بشأن نتيجة انتخابات بين المرشح الديمقراطي آل غور والجمهوري جورج بوش الابن.

وانتهت ليلة 7 نوفمبر، ولم يظهر فائز واضح، ثم ذكرت وسائل الإعلام أرقاما متناقضة، توقعت في البداية فوز آل غور في فلوريدا، لكنها أعلنت فيما بعد أن بوش حصل على أغلبية أصوات ناخبي الولاية، واتصل غور ببوش وقدّم له التهنئة فوراً.

لكن في الثالثة من صباح اليوم التالي، اتضح أن سباق فلوريدا كان أقرب بكثير مما كان يعتقد مساعدو آل غور، وأن فارق الأصوات لا يتعدى 600 صوت فقط، وسحب آل غور اعترافه بالهزيمة في مكالمة ثانية مع بوش.

ولجأ الطرفان لمحاكم فلوريدا، وبعد مداولات قضائية مكثفة قررت محكمة الولاية العليا إعادة الفرز اليدوي في بعض المقاطعات، واعترض فريق بوش، ورفع الأمر للمحكمة العليا التي نقضت القرار يوم 12 ديسمبر 2000.

وجاء قرار المحكمة العليا بأغلبية 5 إلى 4 (كل المعينين من المرشح الديمقراطي صوتوا معا للسماح بإعادة الفرز، وكل المعينين من المرشح الجمهوري رفضوا إعادة الفرز)، وحصل بوش على أصوات فلوريدا الـ25 في المجمع الانتخابي، وفاز بالرئاسة.

وإثر تدخل المحكمة العليا، اعترف آل غور بالهزيمة يوم 13 ديسمبر، وقال في خطاب تلفزيوني للشعب "أقول للرئيس المنتخب بوش إن ما تبقى من الضغينة الحزبية يجب أن يوضع الآن جانباً، وليبارك الله قيادته لهذا البلد. لم أتوقع أنا ولا هو هذا الطريق الطويل والصعب. بالتأكيد لم يرغب أي منا في حدوث ذلك. ومع ذلك، فقد جاءت، والآن انتهت، وحلّت كما يجب حلّها، من خلال المؤسسات المكرمة لديمقراطيتنا".

وأضاف آل غور: "الآن المحكمة العليا قد قررت، ولا شك في أنني لا أوافق بشدة على قرارها، إلا أنني أقبله. وأقبل بالانتهاء من هذه النتيجة، التي سيتم التصديق عليها، ومن أجل وحدتنا كشعب وقوة لديمقراطيتنا، أنا أَقدّم تنازلي".

وأنهى الخطاب بالقول: "وفي حين أننا نتمسك بمعتقداتنا المتعارضة ولا نتنازل عنها، فإن هناك واجباً أعلى من الواجب الذي ندين به للحزب السياسي. هذه هي أميركا، ونحن نضع البلاد قبل الحزب. سنقف معا خلف رئيسنا الجديد".

وفي 2008، أقرّ عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا، الراحل جون ماكين، بأهمية فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما، الذي جعل منه أول أميركي أسود من أصل إفريقي يصل للبيت الأبيض.

وقال ماكين: "هذه أوقات صعبة بالنسبة لبلدنا، وإنني أتعهد له هذه الليلة بأن أبذل كل ما بوسعي لمساعدته في قيادتنا خلال التحديات الكثيرة التي نواجهها".

وأضاف ماكين: "لم تسعدني نتائج انتخابات 2008. ولكن كان من الواجب عليّ القبول بها. والقبول ليس مجرّد سلوك مؤدب لائق، إنما هو فعل ضروري لاحترام إرادة الشعب، فعل يُعدّ من أولى مسؤوليات كل زعيم أميركي".

واعترض ماكين، خلال كلمته، على صيحات احتجاج أطلقها أنصاره الذين لم يعجبهم تنازله وإعلانه خسارة الانتخابات، وطالبهم بالهدوء واحترام رغبة أغلبية الشعب.

وقال ماكين: "أصدقائي، لقد وصلنا إلى نهاية رحلة طويلة. لقد تكلم الشعب وعبّر عن رغباته، لقد كان لي شرف الاتصال بالسيناتور باراك أوباما منذ دقائق لتهنئته على انتخابه رئيساً قادماً للبلد الذي نحبه كلانا".

وعرج ماكين على عبارة تشير إلى عائلة أوباما، وقال: "لقد حقق السيناتور أوباما شيئاً عظيماً لنفسه ولبلاده. أحييه على ذلك، وأقدّم تعاطفي الصادق بأن جدته الحبيبة لم تعش لترى هذا اليوم، على الرغم من إيماننا أنها في راحة في حضور خالقها، وفخورة جداً جداً بالرجل الطيب الذي ساعدت في تربيته".

وختم ماكين الخطاب: "أحث جميع الأميركيين الذين دعموني على الانضمام إليّ، ليس فقط في تهنئة الرئيس الجديد، بل في تقديم حُسن نيتنا وعملنا الجاد لرئيسنا المقبل لإيجاد سبل للالتقاء، وازدهار هذه البلاد".