عبر تغريدته أعلن أنه لن يقضي ليلته تلك لمعرفة نتائج الانتخابات الأميركية، تبعه كثيرون بالتعليق وإضافة ماذا سيفعلون ليلتها، أحدهم كتب أنه سيشاهد برنامجا وثائقيا، وأخرى سجلت: هناك فيلم على نتفلكس لم أشاهده، وثالثة فضلت فيلما عربيا قديما أبيض وأسود، وردت عليها صديقتها يفضل أفلام إسماعيل ياسين أو فؤاد المهندس أو عبدالمنعم إبراهيم، وآخرون كثر رحلوا وكانوا ولا يزالون سبباً للحظات من الضحك تسرق بين تنهيدة وأخرى.

تنوعت ردود فعل الجالسين هنا في منطقتنا حول الانتخابات، من ذاك الذي تجرأ وكتب أنه لن يتعب عينيه بسهرة لمعرفة من كسب أو ربما من خسر، إلى من حاول أن يثبت أنه على دراية ومعرفة بتفاصيل الانتخابات، وكيف تجري في الولايات المتحدة، حتى راح يحلل كيفية التصويت عبر البريد وكيفية فرز الأصوات في الدوائر الانتخابية، وما أهمية ولاية مثل نيفادا... إلخ. وهؤلاء كثر حتى أن شاشات التلفزة العربية فاضت بهم تحت مسمى خبير، ولم تستطع أي من تلك المحطات ولا وسائل الإعلام المختلفة في أي بلد عربي أن تبعد بنقلها للحدث عن موقفها السياسي الممجوج، وربط الفوز بانعكاساته على هذا البلد وذاك أو هذا الحاكم والآخر!

Ad

وللإنصاف فالإعلام الأميركي لم يكن محايداً، فقد سقطت كذبة الحياد التي روجوا هم لها، ولم يعد يرددها إلا كثير من إعلاميينا الذين جمعتهم السماجة والبلادة المتناهية حتى هرب منهم العارفون، وحافظوا على مشاهدين إما تائهين في ظلمات المرحلة وإما باحثين عن بصيص أمل أو آخرين فقط للتسلية والترفيه، أليسوا جميعا أقرب للمهرجين من الإعلاميين؟

تفضح نهارات انتخاباتهم ليالي خيبتنا نحن وقلة معرفتنا أو ادعائنا بمعرفة ما لا نعرفه ونشرنا ثقافة الجهل والتسطيح والبلاهة المتناهية في العتمة، لذلك فأكثرنا ذكاء ومحافظة على صحته العقلية والنفسية، هم من قرروا أن مشاهدة "ناشيونال جيوغرافيك" أفضل من متابعة عد الأصوات، وقراءة تغريدات ترامب المتتالية إلى جانب تهديداته.

بعض المحللين العرب أحب أن يتحفنا باستعراض مفهوم الديمقراطية العريقة رغم أن عمر الولايات المتحدة لا يصل إلى ربع تاريخ وطنه العريق، وآخرون عرب بعضهم مقيم هناك وآخرون هنا، أخذوا مواقف حادة وتمادوا في الدفاع عنها حتى تصورنا أنهم على استعداد أن ينضموا لتلك الفرق من المواطنين الأميركيين البيض الذين حملوا كمية من الأسلحة ونزلوا إلى الشوارع مهددين ومستعرضين قوتهم في مشهد لا يشبهه إلا مشاهد الميليشيات المنتشرة بيننا وحوالينا... مرعب أن تكون مبيعات الأسلحة الأكبر خلال أشهر الانتخابات أو التحضير لها والأكثر إثارة هو أن كثيرين من الساهرين في ذاك المساء لم يجدوا في تصريحات تلك الفئة ما يثير الفحص والبحث، بل مروا عليه مرور الكرام، ربما لأنهم اعتادوا المشهد هنا حتى تخيلوا أنه طبيعي جداً أو كما يردد بعضنا "عادي، عادي"!

تلاصق مصيرنا هناك في "أم العواصم" حتى أصبحنا حائرين بين متابعة تنبؤات العرافين هنا أو نتائج التصويت هناك، فالاثنان قادران على تحديد مستقبلنا، بل مستقبل كل هذه المنطقة من محيطها الى خليجها، وهنا كثر المنجمون من محللين سياسيين إلى قارئي الفناجين وضاربي الودع.

هو اليأس أو سواد اللحظة التي تجعل الملايين هنا متعلقين بهناك بحثا عن شباك أمل في قادم أقل قسوة، فالحاكم هناك أقدر على منحهم ذلك ممن يقرر مصيرهم هنا، أو لأن كل محاولاتهم في المشاركة في القرار هنا رحلت كما شباب المنطقة إلى مدن بفضاءات أوسع بين ليلة ونهار أيضا.. في العتمة تباع الأوهام كالعلكة، وهذا ما يحدث الآن هنا، حيث الوهم تغلفه مذيعة متفزلكة لا تفقه في دوائر صنع القرار هناك، وتكابر في الادعاء، وقارئ ومطلع على السياسة الأميركية فقط لكونه يسكن بالقرب من البيت الأبيض في "أم العواصم"!

الأكيد حتما أن ليلنا كان وسيبقى أطول من نهاراتهم وحينما أدركهم الصباح عادوا للاستكانة في بيوتهم في حين بقي كثيرون هنا في خيامهم حتى لو كانت على شكل منزل!

* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية