خسارة الفيل الأحمر أمام الحمار الأزرق
رغم قوة حضور الرئيس ترامب الإعلامية على الصعيد السياسي الخارجي ونجاحه في الملف الاقتصادي فإن نتائج التصويت صبت لمصلحة منافسه مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن بسبب الحماقات التي ارتكبها في التعامل مع جائحة كورونا، واستمرار اتهامه وسائل الإعلام بالكذب، والتي ردت له الصاع صاعين من خلال تركيزها على شخصية ترامب والسخرية منها، حيث استغلت استخفافه بجائحة كورونا أيما استغلال. تصرفات الرئيس ترامب قضت على آمال الحزب الجمهوري بولاية ثانية، وأدت إلى خسارة مجلس النواب، وهناك احتمال فقدانه السيطرة على مجلس الشيوخ، وإن حصل ذلك فسيتمكن الرئيس الديمقراطي بايدن من العمل لأربع سنوات من دون مضايقات. المفارقة في هذه الانتخابات أن نسبة المشاركة هي الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة للحزبين، والتغيير لم يكن ليحصل لولا تنامي قناعة الناخب الأميركي بأهمية وضرورة التغيير.
قد يتساءل البعض: لماذا يهتم الشارع العربي بنتائج الانتخابات الأميركية رغم أن تعامل البيت الأبيض مع الملفات العربية سيظل كما هو، وأن الحزب الديمقراطي لا يختلف كثيراً عن الحزب الجمهوري، بل إنه هو صانع ويلات الربيع العربي، وأن ترامب لم يكن ليجرؤ على الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل لولا وجود هذا الربيع، كما أن فكرة التطبيع قد بدأت منذ زمن بعيد. في المثل يقولون "عدو عاقل خير من صديق أحمق"، وإن هذا المثل ينطبق على الرئيس ترامب لكونه توعد بكل شيء ولم يفعل شيئا، بل إنه كان يصرح مع كل شاردة وواردة عن ضعف البيت العربي، وأنه حامي الحمى، وأن أميركا عراب الأمن والاستقرار العربي، وعلى العرب أن يمتنوا لذلك، وعليهم دفع فاتورة بقائهم.الأنظار تتجه إلى البيت الأبيض والسياسة الأميركية ستتغير أدواتها بشكل كبير إلا في رعايتها للكيان الصهيوني، وقد تحمل الأيام القادمة كابوس الربيع مرةً أخرى، وقد يكون هذه المرة أشد وقعاً من الأولى، ومن لا يتعلم من الدرس يستحق ما يأتيه.رغبة الأميركيين في الهيمنة على الشرق الأوسط والمنطقة العربية ليست وليدة الساعة ولن تتغير، لكن مقدرتها على السيطرة عليها قد تغيرت، فمع توسع المارد الصيني التجاري، وتحول روسيا من متفرج إلى لاعب أساسي في المنطقة، وتمرد الإيراني والتركي على الإملاءات الأميركية، فإن على الدول العربية أن تعيد النظر في علاقتها مع أميركا، والمطلوب هنا ليس المواجهة بل كيفية التعامل مع الرئيس العاقل جو بايدن الذي لم يخفِ يوماً ولاءه للصهيونية، فهو صاحب مقولة أنه ليس من الضروري أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً.من يراهن على انقسام أميركا وانفلات الأمن في الداخل الأميركي ويراهن على تغيير سياستها الخارجية حالم، فكل حزب يأتي ليحصد ما يزرعه الآخر.سيفتقد العالم شخصية الرئيس الأميركي رونالد ترامب الذي لعب على المكشوف، ولم يكن عنده شيء يخفيه أو يحترمه.ودمتم سالمين.