غريبة هذه العقلية التآمرية عند الكثير من أفراد شعوبنا حين ينظرون لكل حدث في العالم على أنه موجَّه ضدهم، وأنه مؤامرة ضد شعوبنا ومستقبلها، وهو وليد الغرب والإمبريالية والاستعمار، وهو ضد العروبة والإسلام في مآل الأمور!

لا عاقل يُنكر التاريخ الاستعماري الغربي للمنطقة، ومسؤوليته عن الكثير من مصائب دولنا، لكن أن نبقى أسرى هذا التفسير دون نهاية، فهذا يعني أن نُريح أنفسنا من عبء مسؤوليتنا لما يجري في الحاضر، وننزه ثقافتنا وتاريخنا من أخطاء رهيبة وسموم قاتلة تجرَّعتها هذه الشعوب، وهي بكامل وعيها أو لا درايتها وجهلها الحضاري المزمن، ونعطي، أيضاً بالوقت ذاته، صك براءة لمعظم الأنظمة العربية الجاثمة فوق الصدور منذ عقود ممتدة.

Ad

هذا العقل التآمري والمريح لأصحابه لا يرى الآن أي اختلاف في نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، فلا فرق بين السابق واللاحق، ولا اختلاف بين ترامب الجمهوري الساقط بالانتخابات، أو الرئيس الديمقراطي المنتخب بايدن، فهو عند الجماعة "كله صابون".

تفسير تواكلي مغرق في كسله في قراءة الحدث، فليس بايدن ولا من سبقه من رؤساء -بخلاف الرئيس ترامب- من قرر نقل السفارة الإسرائيلية للقدس، وخالف بذلك عرفاً مستقراً للإدارة الأميركية ذاتها بعدم الإقرار بشرعية الاحتلال، وليس بايدن ولا من سبقه من رؤساء غير ترامب وحده الذي أعطى "كارت بلانش" لحكومة نتنياهو أن تفعل ما تشاء في مناطق الاحتلال، وليس بايدن ولا من سبقه باستثناء الرئيس الحالي المتغطرس قد تغاضى عن قضايا رهيبة في انتهاك حقوق الإنسان، حدثت في المنطقة العربية بفعل عدد من أنظمتها، كان ترامب، بكل صفاقة، يصرف النظر كلياً عنها، ويتناساها، وهو ترامب لا غيره الذي مزق اتفاقاً ملزماً لأطرافه، واعتبره كأن لم يكن على خلاف الثابت المستقر عليه في مبادئ القانون الدولي، وهو اتفاق وقف التخصيب النووي مع إيران.

لا جدل في قضية التزام الولايات المتحدة بالأمن الإسرائيلي وحمايته، وهذا ثابت عند معظم الإدارات الأميركية، ولا خلاف على انحياز السياسة الأميركية من منتصف ستينيات القرن الماضي لإسرائيل، لكن لا يصح أن نغطي عيوننا عن الفوارق والاختلافات بين مختلف هذه الإدارات في مسائل تمس أهم قضايانا، وفي مقدمتها حقوق الإنسان بأوطاننا العربية.

لنفكر قليلاً بمنهج عقلاني في تحديد المسؤولية عن تدهور وضع الإنسان العربي، وعلى مَنْ نلقي بعبء المسؤولية لهذا الواقع، ولنتأمل أنفسنا وتراثنا قليلاً، علَّنا نجد بعض الإجابة، فالدنيا تتغيَّر وتتبدَّل، «وليست كلها صابون».