من الخطورة استغلال الدين الحنيف لتحقيق أغراض وأجندات سياسية قذرة، وهو ما تقوم به الحكومة التركية وتابعها جماعة الإخوان، تلك الجماعة التي نقلت نشاطها إلى تركيا وأعلنت أن هدفها إعادة الخلافة التي أسقطتها الثورة العربية لما كانت تمثله من جهل وعنجهية وغطرسة لا حدود لها، ومن الوسائل التي تتبعها تركيا لتحقيق أطماعها التوسعية إشعال الحروب والقلاقل في سورية والعراق وليبيا وشرق المتوسط والقوقاز، فأصبح واضحا لدى الجميع أنها تسعى لإحياء النفوذ العثماني، ويمثل إحياء النفوذ العثماني خطرا على أمن المنطقة العربية، لذلك تصدت دول التحالف العربي بقيادة السعودية لمشاريع تركيا السياسية التوسعية في المنطقة وطالبوا بمقاطعة المنتجات التركية. لاشك أن السوق العربية تمثل مجالا مهما للتاجر التركي سواء للاستيراد أو التصدير، ومثلت المقاطعة العربية عاملا لإضعاف الاقتصاد التركي الذي يعاني ضعفا، وبدأت تركيا تبحث عن مخرج لفك أزمتها الاقتصادية والسياسية، وجاء ما اعتبر من إساءة من ماكرون لنبي الإسلام بمثابة طوق نجاة قد يساعد خروج تركيا من أزمتها، فتظاهرت بمظهر المدافع عن الإسلام ونبيه، ونادت بمقاطعة المنتجات الفرنسية، وتحركت ميكنة إعلام الإسلام السياسي وأبواقه مشيدة بنخوة الحكومة التركية ودفاعها عن الإسلام ونبيه وانتقادها للحكومات العربية التي تقاعست ولم تهتم بذلك.
ما يهمنا في هذه الأزمة أن ندرك ونفكر بأبعادها المختلفة، وقد نجد أن أنصار الإسلام السياسي يستخدمون العاطفة الدينية ليجروا العرب والمسلمين إلى معركة ليس لهم مصلحة منها، وقد تتبين نتائجها الضارة بعد حين، ومن المؤكد أنه لا يوجد مسلم يرضى الإساءة لجوهر دينه ولا لنبيه، وبالتالي نحن لسنا بحاجة للحكومة التركية وتابعها الإسلام السياسي ممن يستغلون الدين لتحقيق أغراض سياسية لتذكيرنا بما يجب أن نقوم به لمناصرة الدين. إن ما قام به متطرفون إسلاميون في أوروبا سواء في فرنسا بذبح مدرس التاريخ أو كاتدرائية نيس أو فيينا تعد من الأعمال الإرهابية الوحشية، ومن الطبيعي أن تكون لها ردة فعل غضب واسعة.قد يكون الرئيس الفرنسي أخطأ في تعبيره، ولكن يجب أن نلتمس له العذر بسبب الفجيعة التي حلت في بلده، والأفضل الرد عليه بالحجة والبيان، وقد أحسنت هيئة كبار علماء السعودية عندما رأت أن الإساءة إلى مقامات الرسل والأنبياء عليهم السلام، لن تضر أنبياء الله شيئا، وإنما تخدم أصحاب الدعوات المتطرفة الذين يريدون نشر أجواء الكراهية بين المجتمعات. ومن المعروف أن الإساءة للنبي قد جاءت إليه وهو ينشر رسالته، فقالوا عنه شاعر ومجنون وساحر وكذاب، وسجل القرآن تلك الإساءات ونحن نتلوها في صلاتنا، ونتعبد بها، وقال له الله، جل وعلا: "مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ". (فصلت، 43)، فأمره بالصبر والاستمرار في دعوته وألا يؤثر ذلك ولا يحد من عزمه.
مقالات
استغلال الإساءة للنبي لأغراض سياسية
11-11-2020