مع إتمام المعارك الطاحنة، التي أدت إلى فرار الآلاف ومقتل المئات، أسبوعها الأول، رأى خبراء أن إثيوبيا باتت في مفترق طرق، قد يقودها إلى مصير تفكك جمهورية يوغوسلافيا، مع إصرار رئيس الحكومة الاتحادية، المنحدر من عرقية الأورومو، آبي أحمد، على اعتماد الخيار العسكري لإخضاع سلطات إقليم تيغراي المتمردة شمال البلاد.وأثار آبي أحمد مخاوف من اندلاع حرب أهلية في بلاده، بإعلانه الأسبوع الماضي أنه سيرسل جنودا إلى منطقة تيغراي، لإخماد ما قيل إنها انتفاضة لحزب وجماعة "جبهة تحرير شعب تيغراي"، وفرضت الحكومة منذ ذلك الحين حالة الطوارئ مدة 6 أشهر في المنطقة التي تضم ميليشيات عرقية تشمل عشرات الآلاف، وتمتلك ترسانة أسلحة ثقيلة وخبرات اكتسبتها خلال الحرب مع إريتريا.
ونشرت مجلة "ذا ناشيونال انتريست" الأميركية تقريرا ذكرت فيه أن الانقسام العرقي الحالي في إثيوبيا سيؤدي في النهاية إلى تمزيق الدولة، مشيرة إلى أنه إذا طال أمد عدم الاستقرار الحالي فإن إثيوبيا ستعاني للأسف من نفس مصير يوغوسلافيا التي تفككت في تسعينيات القرن الماضي.
زيناوي وتيتو
وأفادت المجلة الأميركية بأن رجل إثيوبيا القوي السابق ملس زيناوي، مهندس النظام الاتحادي العرقي، رحل منذ فترة طويلة، لكن حضوره الغامض غاب وبثمن باهظ عن أديس أبابا.وكانت قيادة زيناوي ذات أهمية قصوى لاستقرار إثيوبيا. وزيناوي، المنحدر من تيغراي، لإثيوبيا بمنزلة جوزيب تيتو ليوغوسلافيا.وتساءلت المجلة عن نهاية المسار الذي تسلكه إثيوبيا حاليا في عهد آبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ورأت أن إصلاحاته المثالية ستنتهي بتفكك البلد الذي يضم عرقيات وشعوبا متعددة.وبينت أن السخط العرقي الحالي سيمهد الطريق لتفكيك الدولة صاحبة أكبر عدد من السكان في افريقيا بعد نيجيريا، حيث يبلغ تعدادها 115 مليون نسمة، مضيفة أن "براغماتية آبي أحمد وسذاجته السياسية بدت واضحة، والكراهية العرقية التاريخية السابقة بين عرقيتي الأمهرة والأورومو تحمل بين طياتها أسبابا لاندلاع حرب أهلية عرقية".تسريع وانفصال
وسيؤدي تفكك الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، ائتلاف الأحزاب الحاكمة، وتأسيس حزب مركزي "حزب الازدهار"، وهو جزء من إدارة آبي أحمد، إلى تسريع اندلاع الحرب الأهلية العرقية في نهاية المطاف.ومع تصدع الائتلاف والمطاردة المتعمدة والمحسوبة لأعضائه السابقين من منطقة تيغراي، فإن الأمور تتجه إلى نقطة الـ"لا عودة" بين سلطات منطقة تيغراي، التي هيمنت على إدارة البلاد لعشرات السنين، وإدارة آبي الحالية.وكانت إقامة تيغراي المستقلة أمرا موجودا منذ عام 1976، في ظل بيان تيغراي الكبرى، لكن الانفصال وضم الأراضي الإريترية سيكون مستحيلا. ومع ذلك، وبدون ضم الخطوط الساحلية الإريترية واستعداء الإريتريين، يمكن أن تصبح تيغراي المستقلة حقيقة واقعة.كما أن تشكيل ميليشيات عرقية في إثيوبيا هو مؤشر على السخط والكراهية العرقية بين الجماعات العرقية الأكثر نفوذا في إثيوبيا، وهذه مؤشرات تحذير واضحة على أن إثيوبيا تتجه نحو حرب أهلية عرقية، وأن إدارة آبي أحمد جلبت غموضا وانفلاتا أمنيا في ثاني أكبر دول افريقيا سكانا.وتقع إثيوبيا في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابا، منطقة القرن الافريقي، وإذا أصبحت "يوغوسلافيا القرن الافريقي" فإنها ستغير جذريا المشهد الجيو سياسي والجيو اقتصادي للمنطقة.وترى "ناشيونال انتريست" أن "آبي أحمد سيصبح في نهاية المطاف دكتاتورا يعمل خيرا، أي يمارس السلطة السياسية لمصلحة كل السكان وليس لمصلحته الخاص أو لمصلحة جزء صغير من الشعب، مثل أسلافه، لمنع مناطق إثيوبيا المختلفة من الانفصال، كما فعلت إريتريا عام 1991".امتداد النزاع
إلى ذلك، أفادت التقارير الميدانية الواردة من إثيوبيا أمس بأن القتال الشرس بمحيط تيغراي يتمدد جنوبا باتجاه منطقة تهيمن عليها اتنية الأمهرة المجاورة. وتفرق نزاعات إقليمية قديمة بين الأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا بعد الأورومو، والتيغراي (6 في المئة من سكان البلاد) الذين تواجهوا في الماضي بعنف. وهذا ما يجعل المنطقة في نظر المحللين أشبه ببرميل بارود يمكن أن يؤدي إلى انفجار إثيوبيا من الداخل. وفي أديس أبابا، أعلنت الشرطة الاتحادية أن انفجارا وقع أسفل جسر بوسط العاصمة وأسفر عن بتر ساق رجل.تداعيات إقليمية
في هذه الأثناء، توقعت السلطات السودانية، مساء أمس الأول، أن عدد اللاجئين الإثيوبيين، الفارين من الصراع الدائر داخل تيغراي، سيصل إلى 200 ألف خلال أيام.وأفادت الوكالة السودانية الرسمية بأن اللاجئين الذين وصلوا الى مناطق اللقدي والقضيمة وحمداييت، داخل الحدود السودانية، تخطى الـ6 آلاف حتى الآن، مضيفة أن العالقين بالضفة الشرقية للنهر في انتظار العبور لدخول الأراضي الآمنة داخل العمق السوداني، في تزايد مستمر، واتهم زعيم منطقة تيغراي، ديبريتسيون غيبريمايكل، في وقت سابق، إريتريا بإرسال جنودها عبر الحدود ومهاجمة القوات المحلية لدعم هجوم أديس أبابا على الولاية المضطربة، لكن الحكومة الإريترية نفت الاتهامات.