من تعاميم «معارف» الكويت
اعتاد أهالي الكويت في الماضي الخروج إلى البر خلال عطلة الربيع، التي تبدأ أول مارس من كل عام، وعلى العكس تماماً، كما نراه بالوقت الحاضر عند تعطيل المدارس في نهاية ديسمبر، وفي هذا الوقت بالذات يكون الطقس شديد البرودة، وقد تسقط أمطار وتُغرق الخيام ولا يستفيد "الكشاتة".ولذلك كان الخروج إلى البر في الماضي خلال الموسم المعتاد، وهو الربيع، وكانت الاستعدادات تبدأ في البيت قبل العطلة الربيعية على قدم وساق لتجهيز الخيام ولوازم البر من المأكل والمشرب والاحتياجات اللازمة، وتفقد نواقص أطناب الخيام ولوازم الطهي لسبب أن الخروج إلى البر يستمر فترة طويلة قد تصل إلى الشهر أو أكثر، وتنقطع الصلة مع المدينة نهائياً للهدف الأساسي، وهو الابتعاد عن حياة المدنية بضجيجها وصخبها، وفي البر يجد "الكشاتة" الهدوء والسكون والجو المنعش الجميل والطبيعة الخلابة.البر في الماضي دائماً يكسوه الاخضرار والزهور والأعشاب البرية في تعدد أنواعها ورائحتها وأشكالها، مثل الحنبزان والنوير والأقحوان ولحية التيس والبسباس، ويفوح أريجها في كل مكان، وترى من بُعد بعض بيوت الشّعر والأغنام ترعى حول الخيام وضروعها ممتلئة بالحليب الطازج، وقد تصل الضروع إلى الأرض من وفرة الحليب، ويمارس الأولاد هواية جميلة تتعلق بصيد الطيور المهاجرة، وينصبون الفخاخ والشباك لصيدها، وتتجمع لديهم حصيلة جيدة تكفي لوجبة العشاء، ويكون البر متعة ما بعدها متعة، وخاصة في لياليه المقمرة، ويحلو معها السهر وليالي السمر، وتتجمع الأسر الكويتية حول "الدوة" للتدفئة، وتنطلق حكايات الأساطير المسلية وقصص الجان المرعبة مع ارتشاف فناجيل القهوة العربية، وشرب حليب الأغنام الطازج الممزوج بالهيل، لكن ما يفسد متعة البر هو انقضاء العطلة سريعاً.
وكانت معارف الكويت في الماضي تمنح المدارس والمدرسين والطلاب عطلة لمدة أسبوعين، وهذه المدة بتقدير الأهالي غير كافية، وينقطع الأبناء عن المدرسة، ويتأخرون عن دراستهم لبدء النصف الثاني الخاص لمراجعة الدروس.وحرصاً من إدارة المدرسة أرسلت نماذج كما في الورقة أعلاه إلى أولياء الأمور بعد العطلة الربيعية للتنبيه لحضور أبنائهم المدرسة، وعدم الانقطاع عن الدراسة، والورقة بتوقيع ناظر المدرسة الشرقية عام 1949.وهذه الورقة من إهداء أخينا العزيز الأديب عبدالله خلف، وكان بذلك الوقت طالباً في المدرسة الشرقية، التي مكانها حي شرق ناحية البحر بداخل مدينة الكويت القديمة، والأستاذ عبدالله كان من الطلبة المتفوقين، وخصوصاً في مادة اللغة العربية لنشأته في بيت محاط بالأدب والثقافة.مضى على هذه الورقة سبعون عاماً؛ فهي تدرج ضمن أوراق تاريخ التعليم في الكويت، وكل الشكر للأستاذ عبدالله خلف على الإهداء والدعوة الخالصة له لمواصلة العطاء في خدمة الأدب والثقافة بالكويت.