في وقت تتزايد المؤشرات على انزلاق ثاني أكبر بلد إفريقي من حيث عدد السكان باتجاه صراع عرقي قد يفضي إلى تمزيقه، ادعت الحكومة الإثيوبية الاتحادية أن قوات حكومة إقليم تيغراي المتمردة شمال البلاد ارتكبت مجزرة مروعة بحق أفراد الجيش الاتحادي في «معسكر قيادة المنطقة الشمالية».

وقال مسؤول عسكري كبير في الجيش الإثيوبي الاتحادي، يدعى باتشا ديبيلي، بعد زيارته لمناطق القتال بين القوات الاتحادية والقوات المتمردة بمحيط الإقليم، إن «تحرير تيغراي استخدمت أساليب مروعة لتدمير الجيش الوطني الإثيوبي، حيث أقامت حفلا للجيش واختطفت ضباطا عسكريين كبارا، وقطعت الاتصالات اللاسلكية لتعطيل التسلسل القيادي».

Ad

وأضاف المسؤول العسكري أن «جبهة تيغراي استغلت اليوم الذي يتلقى فيه عناصر الجيش الرواتب، واستولت عليها ووزعتها على مقاتليها، ولم يتمكن الجيش من الحصول على الطعام والماء مدة ثلاثة أيام». وتابع ديبيلي إن «جنود جبهة تحرير أورومو شاركوا في المجزرة المروعة التي ارتكبتها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، لكن جنود الجيش الوطني الإثيوبي قاتلوا حتى النهاية، وقد تم إلقاء جثثهم عراة لتأكلهم الذئاب البرية».

وجاء كشف المسؤول للوقائع الصادمة، بعد أن أكد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أن «الجيش الوطني عثر على جثث من أفراده، وقد تم تقييدهم وإطلاق النار عليهم في ولاية تيغراي»، مضيفاً أن «هذه القسوة تدمي القلب».

ولم يذكر رئيس الوزراء عدد الجثث التي تم العثور عليها، في حين لم يصدر تعليق من «جبهة تيغراي» التي هيمنت على السياسة الإثيوبية لعشرات السنين قبل تولي آبي أحمد السلطة عام 2018.

وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، المتحدر من عرقية الأورومو، والبالغ من العمر 44 عاما، أن «الجيش حرر بلدة شيري والجزء الغربي من منطقة تيغراي، حيث تقاتل القوات الاتحادية قوات الإقليم المدجج بالأسلحة والميليشيات العرقية منذ أسبوع.

رفع الحصانة

في موازاة ذلك، صوّت البرلمان الاتحادي في أديس أبابا لمصلحة إلغاء الحصانة من المحاكمة الممنوحة لـ39 مسؤولا في تيغراي. وعلى الرغم من اعتبارها حركة متمردة، فإن «جبهة تحرير شعب تيغراي» تعد الحزب الحاكم للمنطقة.

وصوت النواب لمصلحة إلغاء الحصانة الممنوحة لسياسيين من بينهم رئيس الإقليم ديبريتسيون جيبرمايكل لـ «حمله السلاح ومهاجمة الجيش الاتحادي وارتكاب جرائم أخرى».

تمدد واحتجاز

وامتدت توترات الصراع الدامي في إثيوبيا إلى ما هو أبعد من منطقة تيغراي المعزولة بالشمال، إذ أعلنت الحكومة الفدرالية احتجاز حوالي 150 «عميلاً» مشتبهاً بهم في اتهامات بالسعي إلى «بث الخوف والرعب» في جميع أنحاء البلاد.

وقال بيان للحكومة إن المشتبه فيهم «متنوعون عرقياً»، لكن المخاوف لا تزال شديدة بين أبناء عرقية التيغراي، وسط تقارير عن استهدافهم من قبل السلطات.

وتثور مخاوف واسعة النطاق من أن يمتد القتال في تيغراي إلى أجزاء أخرى في البلد الذي يضم فسيفساء عرقية متنوعة، وإلى بقية منطقة القرن الإفريقي المضطربة أساساً.

وألغت ولاية أمهرة المجاورة لتيغراي، والتي تدعم آبي أحمد، احتجاجات مزمعة ضد الحزب الحاكم في «تيغراي»، نظرا للمخاوف الأمنية أمس، ولتوتر بين عرقية تيغراي وعرقية أمهرة ثاني أكبر عرقية بعد الأرومو.

تحذير وتدفّق

من جهتها، حذّرت الأمم المتحدة، أمس، من أن وكالات الإغاثة التي تعمل في منطقة تيغراي غير قادرة على إعادة ملء مخازنها من المواد الغذائية والصحية وإمدادات الطوارئ الأخرى بسبب القتال الدائر هناك.

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في أحدث تقاريره عن الأزمة، إن خطوط الاتصالات الهاتفية مع المنطقة لا تزال مقطوعة، الأمر الذي يضر بعمليات الإغاثة.

وذكر التقرير «الانتقالات غير مسموحة من تيغراي وإليها، ونتيجة لذلك ترد تقارير عن نقص في السلع الأساسية، يؤثر، أشد ما يؤثر، على الفئات الأكثر ضعفاً».

وأضاف أن منظمات الإغاثة قلقة بشأن حماية الأطفال والنساء وكبار السن والمعاقين من الاشتباكات العسكرية.

كما عبّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، آن إنكونتريه، عن قلقها من حدوث حالة طوارئ تتعلق باللاجئين إذا ما اضطر المزيد من المدنيين للنزوح بسبب القتال.

وقالت إن «المنظمة الدولية تتفاوض مع طرفي الصراع لفتح ممرات إنسانية»، لتفادي وقوع كارثة.

في غضون ذلك، تواصل تدفق الفارين من القتال الدائر بالإقليم الإثيوبي إلى الولايات السودانية المجاورة.

وذكرت الخرطوم، أمس الأول، أنها استقبلت أكثر من 10 آلاف لاجئ إثيوبي، منذ تفجّر القتال، وحذرت السلطات السودانية المحلية من أنها غارقة في الأزمة، وتستعد لاستقبال ما يصل إلى 200 ألف شخص.

وحتى الآن يقاوم آبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، وهو أصغر زعماء إفريقيا سناً، دعوات من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وأطراف أخرى لوقف إطلاق النار.

ورفض المناشدات الدولية لبدء مفاوضات مع حكومة الإقليم، قائلا إن ذلك لا يمكن أن يحدث قبل «إزالة الزمرة الحاكمة لجبهة تحرير شعب تيغراي، واعتقالها وتدمير ترسانتها المليئة بالأسلحة».

في المقابل، تتهم «الجبهة» رئيس الوزراء باستهدافها وإقصاء أبناء تيغراي عن السلطة تحت غطاء الإصلاحات السياسية، وتقول إنه فقد الشرعية بعد قيامه بتأجيل الانتخابات الاتحادية والإقليمية بسبب «كورونا».