أميركا: تحذيرات من كلفة باهظة لتأخير نقل السلطة
جو بايدن يمضي في تشكيل إدارته ويطمئن الحلفاء الآسيويين... و«الخارجية» تعرقل تلقيه رسائل تهنئة
على وقع تحذيرات من عواقب وخيمة لتأخر عملية نقل السلطة، اختار الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الديمقراطي المتمرس رون كلين لشغل منصب كبير موظفي البيت الأبيض، في وقت لم يعترف الرئيس دونالد ترامب بعد بهزيمته في الانتخابات.
لم تمنع جهود الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في إثبات وقوع تزوير واسع لإلغاء نتائج الانتخابات بالولايات الحاسمة خليفته المنتظر جو بايدن من المضي في الاستعدادات لتولي المنصب في 20 يناير، وأمضى معظم الأسبوع في النقاش مع مستشاريه بشأن اختيار أعضاء الإدارة الجديدة، واستعان بخبراء ماليين وتجاريين ومصرفيين في فريقه الانتقالي الذي يتنوع بين رفاقه الديمقراطيين والنشطاء التقدميين.وفي حين لم يُظهر ترامب أي مؤشر على الاستسلام، عيّن بايدن الديمقراطي المتمرس رون كلين كبيرا لموظفي البيت الأبيض، مؤكدا أن "خبرته العميقة والمتنوعة، وقدرته على العمل مع الناس من جميع الأطياف السياسية هي بالضبط ما يحتاج إليه في هذا الوقت الذي نواجه فيه أزمة ونعمل على إعادة توحيد أميركا".وقال بايدن، في بيان صادر عن فريقه الانتقالي ونائبته كاملا هاريس، "كان عمل رون قيما جدا على مدى سنوات عديدة عملنا فيها معا".
واعتبر كلين أن تعيينه، الذي أثار ارتياحا لدى الديمقراطيين، "شرف حياة"، مضيفا: "أنتظر بفارغ الصبر أن أساعده هو ونائبته في جمع فريق موهوب ومتنوع للعمل في البيت الأبيض، والانصراف لتطبيق برنامجهما الطموح من أجل التغيير، والسعي إلى رأب الانقسامات".وغداة تأكيده في سلسة اتصالات مع الحلفاء الأوروبيين أنّ "أميركا عادت"، تلقى بايدن التهاني عبر الهاتف من رئيسي الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، والياباني يوشيهيدي سوغا، ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن، واعداً بالإبقاء على اتفاقيات الدفاع المشترك معهم، وإصلاح العلاقات بعد التوتر في عهد ترامب.وتضمنت مكالمة بايدن مع سوغا تحذيراً واضحاً من أن "الوضع الأمني يزداد خطورة" في جميع أنحاء المنطقة. ورداً على تحليله غير العادي في صراحته، أكد بايدن "التزامه العميق الدفاع عن اليابان"، والالتزامات الناشئة عن الاتفاقيات المستمرة منذ عقود.وفي خطوة قد تثير احتجاج بكين، شدد بايدن على أن هذا الالتزام الدفاعي يمتد إلى سينكاكو، وهي سلسلة جزر غير مأهولة تطالب بها كل من اليابان والصين، وتشكّل نقطة مواجهة محتملة منذ عقود.في مكالمة منفصلة مدتها 14 دقيقة مع مون، وصف بايدن التحالف مع سيول بأنه "محور الأمن والازدهار" في المنطقة، وتعهد بالعمل معاً لمواجهة "التحديات المشتركة" مثل تغير المناخ والتعاون لحل القضية النووية لكوريا الشمالية.وفي مكالمته مع موريسون، تلقى بايدن دعوة لزيارة أستراليا العام المقبل بمناسبة الذكرى السبعين لتوقيع المعاهدة الأمنية المشتركة، وأبرز أهمية "مواجهة تغير المناخ".
نقل السلطة
وفي مقال مشترك نشرته "واشنطن بوست"، حذر كبيرا موظفي البيت الأبيض سابقا، الجمهوري أندي كارد، والديمقراطي جون بوديستا، من أن تأخر الانتقال السلس للسلطة، وغياب التعاون بين الإدارة المنتهية ولايتها والقادمة، في ظل فوضى تفشي فيروس كورونا، قد تكون له عواقب وخيمة على الأمن والاقتصاد.وقال كارد، كبير موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وبوديستا، الذي شغل المنصب ذاته في عهد الرئيس بيل كلينتون، إن "شواهد التاريخ تؤكد أن أعداء أميركا يسعون لاستغلال المراحل الانتقالية للنيل منها، وأبرز دليل على ذلك الهجوم الإرهابي الذي تم إحباطه عشية تنصيب الرئيس السابق باراك أوباما".وأشارا إلى أن تقرير اللجنة المكلفة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر، التي أودت بحياة نحو 3 آلاف أميركي، ودمرت برجي التجارة في مانهاتن، وجدت أن الانتقال المتأخر للسلطة بعد النزاع التاريخي بين الجمهوري جورج دبليو بوش والديمقراطي ألبرت آل غور عام 2000 أعاق الإدارة الجديدة عن اختيار وتجنيد وتعيين مسؤولين رئيسيين في مجال الأمن القومي، والحصول على موافقة مجلس الشيوخ على ذلك، وخلصت اللجنة إلى أن تجنب الاضطرابات عند انتقال السلطة في المستقبل يخدم مصلحة الولايات المتحدة كثيرا.ونتيجة لتأخر البت في نتائج الانتخابات، الذي يعد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، فإن إدارة بوش لم تتمكن من الوصول إلى الموارد والوكالات الفدرالية إلا بعد 37 يوما.وأفاد المسؤولان بأنه في ظل الفوضى الناجمة عن تفشي كورونا، فإن تكاليف تأخر الانتقال السلس للسلطة في الانتخابات الحالية قد تكون أعلى بكثير من أي وقت تقريبا في تاريخ الولايات المتحدة، وقد يؤدي ذلك التأخر وغياب التعاون بين الإدارة المنتهية ولايتها والإدارة الجديدة إلى إعاقة الانتعاش الاقتصادي، وإبطاء توزيع اللقاح ضد الفيروس، وتعريض حياة الأميركيين للخطر، مضيفين أن بايدن وفريقه الانتقالي لا ينبغي أن يعانوا من تأخير مماثل لعام 2000، لأن المشهد مختلف والنتائج مختلفة، والأميركيين أدركوا بالتجربة التكاليف الخطيرة لتأخر انتقال السلطة.مقاومة مؤسسية
في المقابل، قاومت إدارة ترامب التعاون مع جهود نقل السلطة لإدارة جديدة، وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أنها طلبت من المؤسسات عدم العمل مع فريق بايدن في الوقت الحالي.وبعد رفض مسؤول كبير تسليم أي تمويل لفريقه وعدم اعتراف إدارة الخدمات العامة بفوزه، منعت وزارة الخارجية، بناء على تعليمات مماثلة، بايدن من الاطلاع على رسائل البريد التي تصله من قادة العالم.ووفق شبكة CNN، فإن الرسائل الموجهة إلى بايدن من القادة الأجانب بحوزة الخارجية وإدارة ترامب لا تسمح له بتسلمها، مبينة أن فريقه يتعامل مع حكومات العالم بشكل مستقل، دون الحصول على دعم لوجستي من مركز العمليات التابع للوزارة.وفي ظل عدم قدرة فريق بايدن على دخول مكاتب الحكومة الاتحادية أو الاستفادة من الأموال، واصلت إدارة ترامب عملها كالمعتاد، وهددت بفرض عقوبات جديدة على الصين، لأنها "انتهكت بشكل صارخ" الحكم الذاتي لهونغ كونغ بإقالتها 4 نواب مؤيدين للديمقراطية من برلمان المدينة.وبعد ظهوره الأول في ذكرى يوم المحاربين القدامى بمقبرة أرلينغتون في فيرجينيا، بدأ ترامب نهاره كما كل يوم منذ الانتخابات، على موقع "تويتر"، بإطلاق الاتهامات بالتزوير الانتخابي.حسم النتائج
ولم تُحسم النتيجة بعد في عدد محدود من الولايات، إذ يتقدم ترامب في كارولاينا الشمالية وحسم أصوات ألاسكا الثلاثة، في حين تقدم بايدن في أريزونا إضافة إلى جورجيا، بفارق 14 ألف صوت.وأكد أكبر مسؤول انتخابي في ولاية جورجيا الجمهوري براد سافينسبرغر أمس الأول عدم رصد أي مؤشر حتى الآن على تلاعب واسع النطاق في إحصاء الأصوات، مؤكدا أنه أمر بإعادة فرز الأصوات يدويا، لأن الفارق متقارب جدا، والمصادقة على النتائج بحلول الموعد النهائي في 20 نوفمبر.وبينما اعتبرت حملة ترامب أن قرار ولاية جورجيا إعادة فرز الأصوات يمثل خطوة مهمة باتجاه ضمان نزاهة الانتخابات، واحتساب جميع الأصوات، قال المدعي العام الجمهوري في أريزونا مارك برنوفيتش إنه لا توجد أدلة حتى الآن على عمليات تزوير في الولاية، أو أي مخالفات أخرى من شأنها التأثير على النتائج.وإذ أكدت حملة ترامب طلبها إعادة فرز الأصوات، بهدف قلب نتيجة التصويت بعدد من الولايات الأخرى، ذكر مركز إديسون أن بايدن تلقى هزيمة في ولاية ألاسكا وخسر أصواتها الثلاثة في المجمع الانتخابي.نبأ سار
ونقلت "واشنطن بوست" عن مستشارين ومساعدين لترامب أنه لا يزال متمسكا بالنصر، إلا أنه لا توجد لديه خطة حقيقية حول كيفية تغيير نتائج التصويت لصالحه، وقال أحدهم إن "الرئيس يقضي أيامه على الهاتف، ويحاول أن يجد أشخاصا ينقلون إليه بشرى سارة".ومع ذلك، كشفت مصادر أن ترامب قال خلال محادثات جرت إنه يعرف أن بايدن سيتولى مهامه يوم تنصيبه في 20 يناير، وناقش احتمال مشاركته بالسباق الرئاسي في 2024.وذكرت قناة NBC أن مساعديه يميلون إلى الاعتقاد بأنه قد يتوقف عن الطعن في النتائج، لكنه لن يعترف أبدا بالفشل في محاولة إعادة انتخابه، وسيظل مصرا على أن الانتخابات لم تكن نزيهة حتى بعد تأكيد نتائج التصويت بالولايات المتقلبة في الأسابيع المقبلة.أما CNN فنقلت عن مصدر مطلع قوله ان ترامب التقى الثلاثاء مستشاريه السياسيين ومساعديه بالبيت الأبيض، لمناقشة الخطوات المقبلة في استراتيجيته القضائية، مبينة أنه شكك في جهود فريقه القانونية لكنه يعتزم الاستمرار في الطعون، رغم أن بعضهم يقولون سرا إنه لا توجد فرصة.