وجوه بلا إنسانية
ترددت كثيراً قبل كتابة هذا المقال، لأنني عادة أتجنب أن يقترن اسمي بأي نص سلبي، لكنني ما استطعت أن أمضي مرورا دونما توقف وتساؤل وربما تأمل، على الأقل أن ترضي هذه الأسطر إنسانيتي التي ترفض بشاعة ما يحدث هذه الأيام من مواقف يقشعر لها الأبدان. وقبل البدء بتلك المرارة، أريد أن أسترجع ذاكرتي قليلا منذ أول لحظة لإعلان حالات كورونا في الكويت، والتي سرعان ما أعقبها إغلاق المدارس والمحال ومن ثم الحظر، وانتقلنا فجأة من حال إلى حال، لم نكن حقا مستائين بقدر إيماننا أن هذا التغيير لصالح الطبيعة، ولصالح الإنسانية على الأقل لأن يصحو من هو في غفلة فيستذكر دوره في هذه الحياة.
ما توقعنا أن الغمّة متربعة على عرش راحتها، وما توقعنا أن يخيب الوضع الراهن ظنوننا، خلنا كورونا جاء ليصحي سبات الظالمين، فوجدناه يقسي قلوب العالمين! أي إنسانية تلك التي كنا نظن أن فيروسا حقيرا سيعيد ترميمها؟ بالله أي سذاجة تلك التي كانت تظلل براءة عقولنا؟! وكيف غاب عن أذهاننا أن الكائنات اللاحسيّة، اللا معرّفة، واللا إنسانية تلك، هي كائنات جبلت على أن تكون هكذا، بلا مشاعر، بلا دم؟ لا أحبذ كثيرا قراءة الأخبار، لكن هنالك أخبار تهز عرش خلقتك وتكوينك، تلك التي يعجز العقل عن استيعابها وتقف أمامها جزيئات الاستجابة والإدراك عند أي «كائن سوي» أو إنساني إن صح التعبير، ابتداء من قتل فتاة رفضت التحرش، وعرف الأخذ بالثأر «النتن» وجريمة الزرقاء، وتلك المعتوهة قرينة الشيطان الأكبر؛ الأم التي رمت بطفليها انتقاما من طليقها، وكل ما يحدث ما بينهما من قصص لا تمتّ للإنسانية بصلة! وانتهاء بجز رؤوس الناس بحجة «فزعة الدين»! أي دينٍ هذا الذي يدفعك لإزهاق أرواح من حولك؟ العالم إلىٰ أين بالله أخبروني؟! ما الذي يحدث؟ ومن هؤلاء؟ لا يسعني قول أي شيء، فهنالك كائنات بيننا أشد كفرا من جهنم، أصناف لا ينفع معها وباء ولا رجاء! مخلوقات بلا إحساس! نعوذ بالله من حياة تحتويهم، ومن محيطٍ يشملهم، وكما يقول أحمد خالد توفيق في روايته يوتوبيا «كان هذا كله أقبح من اللازم، أبشع من اللازم، أكثر واقعية مما يجب...».