مشكلة الكثير من الناخبين الأزلية أنهم يختارون مرشحهم معتقدين أن اختيارهم مصيب، ثم يصطدمون بسوء هذا الاختيار لاحقاً، فتلازمهم صدمة أداء النائب لأربع سنوات، ولا يخرجون من الصدمة إلا بقرار العزوف عن المشاركة ملقين باللوم على الجميع ومتهمين الجميع بأسباب هذا الانحدار، ومن هنا تبدأ سلسلة المصالح والمنافع الشخصية في التكرس والتشعب وتعميق الجذور، فالساحة الخالية من الصوت المعارض الواعي تجعل الغربان تغرد كالبلابل.والحقيقة أن عدم التجرد من وهم العواطف ووهم المصالح وغياب الأسس التي يتم من خلالها الاختيار، والوقوع ضحية الدعايات المضللة، كلها عوامل تجعل بعض الناخبين يشعرون بالخدعة الكبرى بعد انتباههم للمنزلق، فيكرهون اليوم الذي شاركوا فيه في الانتخابات.
ورغم أن الإنسان قد يضعف أمام عواطفه فيميل الى قريبه أو ابن فئته وقبيلته وطائفته على حساب الأبعد الأفضل، فإن تحميل غيره عاقبة خطئه والتخلص من عجزه عن حسن الاختيار بالعزوف عن المشاركة مشكلة كبرى يجب أن يتخلص منها، كما أن الميل إلى المصالح الشخصية في الاختيار ثم الوقوع تحت تأثير صدمة عدم تحقق مقاصد هذا الاختيار بعد أن (يرفع النائب عليه الجام) لثلاث سنوات، ثم (ينزل الجام) من جديد في السنة الأخيرة مشكلة أخرى يقع فيها أصحاب الذاكرة الضعيفة والدعايات الكاذبة، وربما يغيب عن معظم هؤلاء أن المصالح الشخصية ستتحقق إذا تحققت مصلحة الوطن أولاً، لأن مصالح المواطن تتحقق بالتبعية كلما تبلورت أسس العدالة والمساواة التي يطالب بها كل مواطن شريف لضمان مستقبل أبنائه بالشكل الذي لا يمتهن كرامتهم في يوم من الأيام.ولعل مثل هذه المطالب لا تتحقق عبر بعض الشعارات الجوفاء التي يكون ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، والتي يرفعها بعض أفاقي السياسة وخفافيش الإعلام، فيكون شعار التغيير الذي يطالب به البعض في الانتخابات المقبلة مجرد تغيير لواقع تضررت مصالحهم الشخصية من خلاله، ومجرد تكريس لواقع جديد تتحقق مصالحهم الشخصية من خلاله، دون أن تهدف مطالبهم في التغيير إلى تخليص الوطن والمواطن من الأضرار التي لحقت بهما في المرحلة السابقة، أو لتحقيق مصالح الوطن والمواطن في المرحلة القادمة.وقد تعوّد أحد الزملاء الكتاب الذين يسبق اسمهم (د) النخبة أن يرسل لي مقالاته الصحافية، وكلها تطالب بالتغيير وتدفع الناخب لحسن الاختيار، ثم علمت أنه يدعم نائبين حاليين من دائرتين مختلفتين (كلاهما لا ينفع بالسبع مذاهب)، ممن لا صوت له فنطرب ولا صورة تميزه فنعجب.ولأني تعودت ومن خلال متابعتي لأداء السياسيين عندنا ألا أهتم لقول لهم جميل أو دعوة منهم جليلة، فإنني أسأل نفسي عن مغزى هذا القول أو هدف تلك الدعوة، إذ غالباً ما نتفاجأ أن آخر نتائج القول مصلحة شخصية ونهاية مخرجات الدعوة مكسب ذاتي، لذا فقد أصبحت أسأل نفسي دائماً عن المغزى والهدف لكل قول أو دعوة جديدين قبل أن يتكرسا كواقع حقيقي، ثم أبحث عن الإجابة لأكتشف السر الذي غالباً ما يكون مطابقاً لشكوكي أو قريباً منها.ولذا فإني أميل إلى تجربة غير المجرب إذا كان ينادي بشعارات جميلة وقابلة للتطبيق، وعُرف عنه الوعي والصدق، ولم يثبت أن وراء شعاراته مصالح شخصية، لأن تجربة غير المجرب لن تخرج عن نتيجتين: الأولى أن يصدق هذا المرشح بما نادى به كلياً أو حتى جزئياً فيتحسن الوضع العام على يديه، والثانية ألا يصدق بكل أو بجزء مما نادى به فتبقى الحال على ما هي عليه، لأننا وحسب الوضع الحالي المزري، أصبحنا نقبل بتجربة أي دواء جديد دون الحاجة الى تجارب سريرية.
مقالات - اضافات
وجهة نظر: «نائب زين... نائب مو زين»
13-11-2020