من حسن حظهما وقدَرهما أنهما لم يكونا سوريين، فالزوجان العالمان يوغر ساهين وزوجته أوزلين ترشي (أتصور هكذا يلفظ الاسمان)، اللذان أسسا شركة بايونتك الألمانية، واخترعا، بمشاركة شركة فايزر الأميركية، عقار المناعة "فاكسين" ضد وباء كورونا -ولعله يكون فاعلاً بعد تجاوز قضايا لوجستية في تعميمه- هما ألمانيان بكامل حقوق المواطنة وواجباتها، أما أصولهما التركية، وأن والديهما هاجرا لألمانيا، فليست مسألة مهمة ولم تشغل بال العالم إلا ببضعة سطور بسيطة في الصحافة الأجنبية.وكالة أنباء عربية كبرى، وبسبب خلافات سياسية بين دول خليجية وتركيا لم تجد ما يثير في الاكتشاف العلمي الكبير، سوى أن تذكرنا بأن العالِمَين "يوغر وأوزلين" هما في الأصل من لواء الإسكندرون، الذي ضمته الدولة التركية لها بعد نهاية الانتداب الفرنسي عام 39 لسورية! ماذا يعني هذا؟ ولماذا نغتم اليوم لهذه البشارة في مثل ظروف الكرب للوطن السوري؟ ولماذا هذا التذكير بأصل تابعية هذا اللواء، وكأن قضايا القمع والقهر وغياب أبسط الحريات ليس لها وجود في هذه الأمة؟! فمعظم سكان هذه الأمة المنكوبة بأنظمتها كانوا تابعين للخلافة العثمانية قبل عام 1917، كانت معظم "دولنا"، التي لم تكن حقيقة لها وصف "الأمة/الدولة"، هي ولايات خاضعة للحكم العثماني، وأهلها رعايا تابعين للسلطان العثماني، باستقلال ذاتي محدود، فما جدوى الكلام عن "لواء الإسكندرون" اليوم؟!
من حقنا أن نسأل أيهما أفضل الآن لكرامة وآدمية سكان هذا اللواء، أن يكونوا خاضعين لنظام بشار الأسد؛ يسكنون بخرائب مدمرة وشوارع بلون أحمر من دماء هذا الشعب، وما يعادل ثلثي سكان هذا الوطن مهجرون، إما في الداخل السوري أو خارجه، أم واقع حالهم اليوم كمواطنين أتراك أحرار في لواء الإسكندرون، بصرف النظر عن أصولهم العرقية، بدولة استضافت أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري؟!تخيلوا لو أن أهل العالِمَين قد هاجروا لدولنا النفطية، أليس هناك احتمال أن نرى "يوغر ساهين" جالساً على كرسي ألمنيوم صغير متهالك مغطى بخرق رثة يبيع آيس كريم عند دوار أو ناصية شارع، بعد أن دفع المعلوم من شقائه للكفيل الخليجي، ويضع يده على قلبه كلما سمع صراخ نواب يهددون ويتوعدون "الوافدين" بفرض رسوم على أجورهم؟! أما زوجته أوزلين فهي منهمكة بلف دولمة ورق عنب لتبيعها لجمعية تعاونية، تحت بند "شغل بيت كويتي"!
أخر كلام
من حسن حظهما
15-11-2020