● بروجيكت سنديكيت:

في شهر سبتمبر كتبت: «إن جاذبية ترامب الانتخابية قد تحرك السياسة الداخلية، لكن تأثيره على السياسة العالمية قد يكون تحويليا، وخصوصا إذا حصل على فترة ولاية ثانية»، حسنا، لم يحصل على ولايته الثانية، فهل يكفي هذا لضمان أننا أصبحنا حقا عند «نهاية حادث تاريخي»؟ وما التغييرات التي لم يعد من الممكن عكس اتجاهها، أو على الأقل ليس بسهولة؟

Ad

- جوزيف ناي:

لو أعيد انتخاب ترامب، لأصبح من الصعب جداً إصلاح الضرر الذي لحق بالنظام الدولي والمؤسسات المتعددة الأطراف، كما قال لي صديق أوروبي، «من الصعب أن يحبس المرء أنفاسه أربع سنوات؛ أما ثماني سنوات فهو أمر مستحيل».

لكن جو بايدن وعد بالعودة إلى الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، وتقوية التحالفات الأميركية المتوترة. وهذا يبشر بالخير، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت لاستعادة الثقة، لا سيما أن أكثر من 70 مليون أميركي أدلوا بأصواتهم لمصلحة ترامب، وهذا يشير إلى أن الترامبية (مذهب ترامب) ستستمر، حتى بدون ترامب.

● بروجيكت سنديكيت:

في كتابك «هل تشكل الأخلاق أي أهمية؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين ديلانو روزفلت إلى ترامب»، صَـنَّـفت الرؤساء الأميركيين الأربعة عشر منذ عام 1945 وأعطيت ترامب الدرجة الرسمية «غير مكتمل». ما الدرجة التي قد تمنحه إياها الآن؟ وما السياسات الأولية الكفيلة بوضع بايدن على المسار نحو أن يصبح «رئيسا من الـرُبع الأعلى المتميز»؟

- جوزيف ناي:

يزعم مدققو الحقائق في صحيفة واشنطن بوست أن ترامب أطلق أكثر من عشرين ألف كذبة خلال فترة رئاسته المنفردة. كل الساسة يكذبون في بعض الأحيان، لكن تواتر وحجم أكاذيب ترامب- والتي تشمل محاولاته الجارية لنزع الشرعية عن نتائج انتخابات 2020- يـحـط من قيمة عُـملة الثقة التي تشكل ضرورة أساسية في أي نظام ديمقراطي. الواقع أن ترامب هو الرئيس الأكثر افتقارا إلى الأخلاق بين الرؤساء الأربعة عشر الذين صنفتهم، وعلى هذا فبعد أن انتهت رئاسته الآن، سأغير الدرجة التي أعطيتها له من «غير مكتمل» إلى «راسب»، أما عن بايدن، فإن رسم طريق إلى القمة يجب أن يبدأ بالتوكيد على الصدق والثقة في الداخل والخارج.

● بروجيكت سنديكيت:

مؤخرا، قُـلت: «من الواضح أن المنافسة بين القوى العظمى تظل تشكل جانبا بالغ الأهمية من السياسة الخارجية، ولكن لا يجوز لنا أن نسمح لها بحجب التهديدات الأمنية المتنامية العابرة للحدود الوطنية التي تضعها التكنولوجيا على الأجندة»، تُـرى ما ركائز الأجندة الفَـعَّـالة في مجال الأمن السيبراني في الولايات المتحدة؟ وهل يبشر التدقيق السياسي والتنظيمي في ممارسات شركات التكنولوجيا مثل «فيسبوك» و»غوغل» و«تويتر»، التي أشرت إلى أنها ليست من «أدوات القوة الأميركية»، بإحراز تقدم على هذه الجبهة، أو أن صناع السياسات يركزون على القضايا الخطأ؟

- جوزيف ناي:

في وقت سابق من هذا العام، وضعت «لجنة الفضاء الإلكتروني المشمس»، المكونة من الحزبين الرئيسين، أجندة مدروسة تضمنت تحسين الدفاع والردع في الداخل، فضلا عن محاولة التفاوض حول المعايير الدولية، وعلى المستوى المحلي، سيكون التنظيم الـمُـحَـسَّـن، الذي بدأنا نراه في بعض المجالات، ضروريا.

على المستوى الدولي، خلصت اللجنة العالمية المعنية بالاستقرار في الفضاء السيبراني (التي كنت عضوا فيها) في تقريرها الصادر العام الماضي إلى أن إبرام معاهدة قانونية ملزمة أمر سابق لأوانه، ولكن بوسعنا أن نعكف على وضع معايير للسلوك المتوقع، أرض وسط مرنة بين المعاهدات الصارمة والتقاعس عن العمل. اقترح تقرير اللجنة مجموعة من ثمانية معايير، والتي تعالج الثغرات في المبادئ المعلنة سابقا وتركز على قضايا فنية تشكل الأساس الجوهري للاستقرار السيبراني، ومن الممكن أن ننظر إلى هذه المعايير باعتبارها نقاطا مرجعية مشتركة في المناقشات الدولية الناشئة، ولكن حتى لو قُـبِـلَـت هذه المعايير على نطاق واسع، فسيظل الطريق أمامنا طويلا.

● بروجيكت سنديكيت:

في أغسطس أثنيت على الراحل برنت سكوكروفت، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في زمن الرئيسين غيرالد فورد وجورج دبليو الأب، بوصفه «النموذج المثالي للموظف العام الحديث»، واستعان ترامب بأربعة مستشارين للأمن القومي في غضون بضع سنوات، وقد شهدنا نزوحا جماعيا لموظفي الخدمة المدنية خلال فترة ولايته، فكيف ينبغي لإدارة بايدن أن تتعامل مع ضرورة إعادة بناء الخدمة المدنية وإحياء فكرة الخدمة العامة؟ وهل هناك شخصيات أخرى غير سكوكروفت يتعين على بايدن أن يستلهم منها أو يستمع إليها خلال هذه العملية؟

- جوزيف ناي:

لا يزال لدينا العديد من الموظفين العموميين النموذجيين في كل من الحزبين السياسيين، ففي الانتخابات التي جرت للتو وحدها، قام العاملون بتنفيذ عملية إحصاء نزيهة لعدد غير مسبوق من الأصوات أثناء جائحة متفشية، وساعد العديد من المسؤولين عن الأمن السيببراني في منع الاختراق الخارجي والداخلي الذي كنا نخشاه لعملية الاقتراع.

أثناء جلسات الاستماع لعزل ترامب، جازف موظفو الخدمة المدنية بحياتهم المهنية للإدلاء بشهاداتهم، في استعراض للصدق والشجاعة يرقى إلى درس في التربية المدنية لبقيتنا، وفي حين كانت الولايات المتحدة تتصارع مع جائحة كوفيد19، تقدم علماء حكوميون مثل أنتوني فوسي، رئيس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في المعاهد الوطنية للصحة، للتصريح بالحقيقة في وجه السلطة.

لكن ما يقرب من أربع سنوات أمضاها ترامب في التلاعب أحدثت ضررا عظيما، وخصوصا في السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية، وسيكون لزاما على بايدن أن يبدأ من هناك.

● بروجيكت سنديكيت:

الشيء بالشيء يُـذكَـر... ما الدرس الأكثر أهمية الذي ينبغي لإدارة بايدن أن تتعلمه من السنوات الأربع الأخيرة؟

- جوزيف ناي:

تستند الديمقراطية إلى القيم والمعايير الأخلاقية بقدر ما تعتمد على الأصوات، ويتعين على بايدن أن يحاول إعادة إقامة جدران الحماية هذه، وعلى نحو مماثل، لا تعتمد السياسة الخارجية على قوتنا العسكرية والاقتصادية وحسب، بل تعتمد أيضا على القوة الناعمة المتولدة عن مثالنا الأخلاقي؛ القوة الناعمة التي تقلصت بشدة على مدار السنوات الأربع الأخيرة.

● بروجيكت سنديكيت:

خاض بايدن حملته الانتخابية على أساس إرث إدارة باراك أوباما، حيث شغل منصب نائب الرئيس، فما الجوانب التي ينبغي لبايدن أن يتمسك بها في هذا الإرث، وما الأخطاء التي ينبغي له أن يتأكد من عدم تكرارها؟

-جوزيف ناي:

فاز بايدن في التصويت الشعبي بأكثر من أربعة ملايين صوت (ولا يزال العد جاريا)، وفاز في المجمع الانتخابي بهامش كبير. لكن جماهير الناس تظل منقسمة تبعا للمناطق، والتوجهات الثقافية الريفية مقابل الحضرية، حيث تعمل سياسات الهوية على تعقيد الأمور، وينبغي لبايدن أن يسير على خطى أوباما في ما يتصل بسياسات مثل تحسين الرعاية الصحية والتصدي لأزمة تغير المناخ بجدية، في حين يبحث أيضا عن طرق لتخفيف الاستقطاب وبناء الإجماع، ولن يكون الأمر سهلا.

● بروجيكت سنديكيت:

قبل الانتخابات، ذكرت في تغريدة على موقع «تويتر» أن «ترامب يحاول نزع الشرعية عن الأصوات التي يجري فرزها بعد الثالث من نوفمبر، ويتعين على الصحافة أن تقاوم إغراء إعلان النتيجة مبكرا». إلى أي مدى تؤثر مثل هذه التحديات التي تواجه العملية الديمقراطية الأكثر جوهرية- الانتخابات الحرة النزيهة- على القوة الناعمة التي تتمتع بها البلاد؟ وبماذا تنبئنا نتائج الانتخابات، التي جاءت فيها الأغلبية الساحقة من الدعم الذي ناله ترامب من الناخبين من ذوي البشرة البيضاء، عن تطور مفهوم أميركا باعتبارها «فكرة لا شخصية عِـرقية»؟

-جوزيف ناي:

بينما يحاول ترامب نزع الشرعية عن نتائج الانتخابات، ورغم أنه من الوارد أن يتصادف وجود تضاربات طفيفة في الـعَـد، فإن النتيجة واضحة. الحق أن الانتخابات تمثل شهادة على أداء العمليات الديمقراطية الأميركية لوظيفتها، حتى في أوقات الأزمات.

النبأ غير السار هنا هو أن الرأي العام الأميركي يظل مستقطبا بشدة، وهي حالة من شأنها أن تجعل الحكم أكثر صعوبة بمراحل. لكننا تعافينا من الاستقطاب في الماضي، فقد كانت انتخابات عام 1968 مشوبة بأعمال الشغب، والاغتيالات، وترشح العنصري الصريح جورج والاس، واستراتيجية ريتشارد نيكسون الجنوبية، وستكون عملية إعادة الاتصال بـ«فكرة» أميركا ضرورية للتخفيف من حدة الاستقطاب مرة أخرى.

● بروجيكت سنديكيت:

في كتابك «هل تشكل الأخلاق أي أهمية؟»، تقترح طرقا لتوظيف الباعث الفكري الأخلاقي في السياسة الخارجية، فأي من القادة، في الولايات المتحدة أو أي مكان آخر، فعلوا ذلك بنجاح؟ على المنوال ذاته، أثنيت على ألكسندر فيندمان، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الذي أرست شهادته أمام الكونغرس في العام الماضي بشأن فضيحة أوكرانيا الأساس لإجراءات عزل ترامب، ومع ذلك، إذا علمنا أن سلوك فيندمان المدفوع أخلاقيا جاء بتكلفة شخصية عالية، حيث تسبب في إنهاء مسيرته المهنية العسكرية، فما الذي قد يدفع مسؤولون آخرون إلى السير على خطاه؟

- جوزيف ناي:

لقد تأثرت كثيرا إزاء حقيقة مفادها أن أداء بعض الديمقراطيات في الاستجابة لجائحة «كوفيد19» كان أفضل من العديد من الأنظمة الاستبدادية، علاوة على ذلك، لم يكن القادة الديمقراطيون الأكثر نجاحا شعبويين من أمثال ترامب أو الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، بل كانوا بُـناة إجماع براغماتيين، مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أردرين، أولوا الاهتمام للحقائق والـعِـلـم.

أما عن المسؤولين من أمثال فيندمان، فمن الصحيح تماما أنهم ربما يدفعون ثمن الصدق والنزاهة، لكنهم أيضا يكتسبون الشرف، والكرامة، والقدرة على النوم بضمائر مستريحة، ولابد أن يكون هذا سببا كافيا.

كتب يوصي جوزيف ناي بمطالعتها

● كتاب «عالَـم آمن من أجل الديمقراطية: الأممية الليبرالية وأزمة النظام العالمي»، بقلم جون إيكينبيري.

هذا الكتاب نتاج حياة كاملة من العمل من قِـبَـل أحد رواد التنظير للنظام الدولي الليبرالي، ويرجع إيكينبيري إلى القرن التاسع عشر لدراسة جذور الأممية الليبرالية ويستخدم تلك الرؤى لإلقاء الضوء على أزمة الأممية الليبرالية اليوم، لينتهي إلى دراسة مهمة للمساعي الرامية إلى إقامة نظام عالمي مفتوح وقائم على القواعد وذي توجهات تقدمية.

● الحرب: كيف شكلتنا الصراعات» بقلم مارغريت ماكميلان.

مارغريت ماكميلان مؤرخة بارزة، كتبت ببراعة عن الحرب العالمية الأولى وتداعياتها في فيرساي، بين موضوعات أخرى، وهي الآن تعمل على توسيع مجالها إلى موضوع الحرب على اتساعه، من العصور القديمة إلى الحديثة وحتى إلى المستقبل، وهذا الكتاب يمكن قراءته بسهولة وهو مليء بالرؤى الشيقة.

● «من أجل بناء عالَـم أفضل: اختيارات لإنهاء الحرب الباردة وإنشاء كومنولث عالمي»، بقلم فيليب زيليكو وكونداليزا رايس.

في هذا الكتاب تتعاون وزيرة خارجية أميركية سابقة، والتي تتولى الآن إدارة مؤسسة هوفر في ستانفورد، مع أستاذ تاريخ بارز في جامعة فرجينيا، لوصف القرارات الحاسمة التي شكلت النظام الدولي بعد الحرب الباردة. يصف هذا الباحث البارع والدبلوماسية المخضرمة، رايس وزيليكو، اللذان كانا حاضرين خلال أحداث رئيسة، باقتدار، كيف انتهى العالم القديم ونشأ العالم الحالي.

● «من أرشيف بروجيكت سنديكيت- من عام 2019»

في أول مقابلة من هذه السلسلة مع جوزيف ناي، يقوم بفك تشابك ديناميكيات القوة بين الولايات المتحدة، والصين، وإيران، ودول أخرى؛ ويقترح طرقا لدرء الحرب السيبرانية؛ ويقول لنا لماذا يكشف الأدب الروائي في بعض الأحيان أكثر مما يستطيع النثر التحليلي الكشف عنه، ويوضح ناي السبب وراء مبالغة الرأي التقليدي في تضخيم مواطن قوة الصين في حين يتغافل عن خمس نقاط ضعف أساسية.

● «من هنا وهناك على شبكة الإنترنت»

في حديث دار مؤخرا على الإنترنت، عَـرَضَ ناي أفكاره حول الانتخابات الأميركية والدور الذي تؤديه الأخلاق في العلاقات الدولية، وفي تعليق لمبادرة القيادة المتقدمة التابعة لجامعة هارفارد، يناقش ناي أزمة قيادة السياسة الخارجية التي كشفت عنها جائحة «كوفيد19».

* أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وأحدث مؤلفاته كتاب «الغواية الشعبوية: مظالم اقتصادية وردود فعل سياسية في العصر الحديث».

«جوزيف س. ناي، الابن»