من أقوال ابن تيمية الخالدة: "إن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه"، فهذه الجملة جمعت أصولاً وقواعد دينية كثيرة أسهب العلماء والباحثون في بيانها وتفصيلها، وقد تكون مناسبة الانتخابات فرصة لوضع قاعدة مشابهة للبحث عن مرشح ونائب وسطي معتدل في طرحه دون إفراط أو تفريط، أي دون الغلو في المطالب الضارة التي لا يمكن تحقيقها ودون التفريط في المبادئ والمصلحة العامة التي لا يجوز التفريط فيها. لقد وضع الآباء والأجداد بروح وسطية معتدلة دستور 1962 وليس من الوسطية والاعتدال المطالبة بتعديله الآن بأساليب لا تنسجم مع هذه الروح مثل الخروج إلى الشارع أو السباب والشتائم ولي الذراع.
ومثل الروح الوسطية التي سادت أثناء وضع الدستور نحتاج اليوم إلى المرشح أو النائب الوسطي ذي الطرح العلمي الذي سيسعى إلى مكافحة الفساد متسلحاً بكل الأدوات الموضوعة في الدستور دون الغلو بمخالفة أحكامه أو التفريط في التزامه بالقسم النيابي في أداء العمل بالأمانة والصدق، ودون الإفراط بالوقوع في آفات اللسان المحرمة شرعاً والممنوعة في قانون اللائحة الداخلية للمجلس، وهكذا أيضاً فإن على المرشح أو النائب الحصيف الوسطي أن يسعى إلى الأمر بالإصلاح، وإنكار الفساد وسائر المنكرات بسن القوانين وتقديم الاستجوابات دون الغلو في الخروج على النظام العام، ودون التطاول على شخص صاحب السمو أمير البلاد أو شخوص المسؤولين والمواطنين، وكل هذا منصوص عليه في القوانين التي يقسم العضو على احترامها في أول جلسة للمجلس. ومن الوسطية أيضاً المطالبة بالحريات التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية وعدم الغلو بالمطالبة بحريات تخالف الدين أو تمس كرامات وخصوصيات المواطنين. كما تفرض الوسطية المشروعة في الدين والعمل السياسي النظيف ألا يعمد المرشح إلى الإساءة المحرمة أو التحريض على المخالفين لرأيه بأطروحات متطرفة أو غير صادقة، وفي الوقت نفسه يجب عليه ألا يعمل على كسب تأييد الناخبين بدغدغة مشاعرهم بوعود مالية ضارة لن يستطيع الوفاء بها، وتتناقض مع العجز وتزيد الاختلالات المالية والاقتصادية، وعلى العكس فالنائب الوسطي سيسعى الى تحسين الوضع المالي للدولة دون الإضرار بميزانية المواطن البسيط ودون مزيد من الانتفاخ في كروش المنتفعين والمتربحين. كما يكفي المرشح الوسطي أن يطرح القوانين التي يريد تصحيحها وتعديلها بدقة وموضوعية علماً أن قوانين المجلس تسمح بنشر رأيه وتصويته على الملأ بدلاً من التصعيد والتطرف باستخدام ألفاظ غير لائقة ونشر روح العجز والإحباط وإسقاط الفشل على الآخرين. الخلاصة أن من الخطأ أن نتغاضى عن أطروحات بعض المرشحين اليوم، وهي تعد وتمني الناخبين بوعود يعلم الجميع أنها لن تتحقق، كما أن من الخطأ التحريض على النظام العام أو الخصوم لكسب الشعبية على حساب سمعة الآخرين وأطروحاتهم، وفي المقابل فإن من الخطأ النكوص عن العمل الوطني والإصلاح الجاد والاكتفاء بالوجاهة على الكرسي الأخضر وإنجاز المعاملات بالواسطة، فكلاهما إفراط أو تفريط، ويكفي الكويت مجلسين أطاحا بأحلام وأمنيات شعبية كبيرة بسبب تطرف البعض في أطروحاتهم في مقابل تفريط من البعض الآخر في عملهم.
مقالات
رياح وأوتاد: الوسطية والغلو في الطرح الانتخابي والعمل النيابي
16-11-2020