قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إن مؤشرات الأسهم القياسية تراجعت للشهر الثاني على التوالي في أكتوبر نتيجة تزايد حالات الإصابة بفيروس «كورونا» مرة أخرى في كل أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا، إذ أقرت اوروبا إجراءات إغلاق جديدة أثارت مخاوف بحدوث «ركود مزدوج»، مما أثر على أداء الأسواق المالية فانخفض مؤشر يورو ستوكس 50 بنسبة 7.4 في المئة خلال الشهر، بينما تراجع مؤشر «ستاندرد آند بوزر 500» بنسبة 2.8 في المئة. وحسب التقرير، تحسنت المعنويات بشكل ملحوظ في مستهل شهر نوفمبر، وبانتهاء الانتخابات الأميركية «على الرغم من انها ما زالت محل نزاع قضائي» تحسنت المعنويات أيضاً نظراً لتزايد إمكانية إقرار حزمة التحفيز المالي، هذا إلى جانب النتائج الإيجابية للقاح فعال ضد «كوفيد 19»، مما ساهم في تعزيز آمال العودة إلى الأوضاع الاقتصادية الاعتيادية في عام 2021.
لكن حدوث أي تأخير في إنتاج وتوزيع اللقاح قد يعني استمرار المخاوف المتعلقة بالجائحة كأحد أبرز العوامل المحورية المؤثرة في المناخ الاقتصادي بعض الوقت. كما ارتفعت ايضاً أسعار النفط في بداية شهر نوفمبر، إذ قفز سعر مزيج خام برنت إلى 43 دولاراً للبرميل وسط تحسن آفاق الطلب على النفط.
الانتخابات الأميركية
أسفرت الانتخابات الرئاسية عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن ضد الرئيس الحالي دونالد ترامب بهامش 51-48 بالتصويت الشعبي وتوقع تحقيقه 306-232 نقطة في نظام المجمع الانتخابي على الرغم من عزم ترامب الطعن في شرعية التصويت في بعض الولايات التي كانت نتائجها متقاربة إلى حد كبير. وعلى الرغم من أن إمكانية نجاح ترامب في الطعن على نتائج الانتخابات المتنازع عليها قد يكون مصدر قلق للمستثمرين من حيث المبدأ، فإن فرص نجاح ترامب في هذه المرحلة تبدو بعيدة بما يكفي لتجنب انعكاس المضاعفات الخطيرة على التوقعات الاقتصادية. وفي واقع الأمر، تبدو الأسواق راضية عن الفشل المحتمل للديمقراطيين في السيطرة على مجلس الشيوخ «هناك مقعدان في جورجيا يمكن الفوز بهما» مما قد يؤدي إلى تباطؤ وتيرة وضع السياسات، لكنه يقلل أيضاً من فرص تنفيذ بايدن لبعض المحاور المثيرة للجدل ضمن سياساته بما في ذلك فرض الزيادات الضريبية على الشركات والمستثمرين.كما قد تؤدي الأخبار الإيجابية عن اللقاح الفعّال ضد الفيروس إلى تقليل أهمية حزمة التحفيز المالي نظراً لأن الجمهوريين والديمقراطيين قد يتوصلان إلى اتفاق على حزمة تحفيز مالي موجهة بقيمة أقل بكثير من تريليونَي دولار إذا تحسنت آفاق النمو الاقتصادي. وقد يتطلب تمرير أية تشريعات قانونية جديدة الانتظار حتى يؤدي الكونغرس الجديد اليمين الدستورية في يناير المقبل.وقبل الانتخابات مباشرة، تم الكشف عن انتعاش الناتج المحلي الإجمالي مجدداً بمعدل سنوي قياسي بلغت نسبته 33.1 في المئة في الربع الثالث من عام 2020 بعد تسجيل انكماش بنسبة 31.4 في المئة في الربع الثاني من العام الحالي في حين تم فرض القيود وبلوغ عملية إغلاق الأنشطة الاقتصادية ذروته. وكان الانتعاش مدفوعاً بزيادة الاستهلاك الخاص بنسبة 40.7 في المئة، إضافة إلى الأداء القوي للاستثمار (خاصة السكني).لكن الارتفاع الكبير في حالات الإصابة بالفيروس وتخطيها أكثر من 140 ألف حالة يومياً ببداية شهر نوفمبر أدى إلى تجدد المخاوف المتعلقة بفرض القيود على الحركة وإغلاق الأنشطة الاقتصادية، إذ وعد بايدن باتباع نهج أكثر صرامة فيما يتعلق بالتدابير الاحترازية مقارنة مع ما أعلنه ترامب خلال حملته الانتخابية. وظلت البيانات الاقتصادية متباينة، لكنها كانت إيجابية في الغالب، بما في ذلك استمرار الاتجاه الهبوطي لمعدلات البطالة «6.9 في المئة في أكتوبر». وكانت نتائج مسح مؤشر مديري المشتريات الصادر عن معهد إدارة التوريدات «ISM» عن شهر أكتوبر قوية لكل من قطاع الخدمات «56.6» والتصنيع «59.3» على الرغم من أن تلاشي الانتعاش في الإنفاق الاستهلاكي يبدو «ما يزال -0.6 في المئة على أساس سنوي في سبتمبر». من جهة أخرى، أبقى الاحتياطي الفدرالي على سياسته النقدية دون تغيير في نوفمبر «0.0-0.25 في المئة للنطاق المستهدف لمعدل الفائدة على الأموال الفدرالية وأكد مواصلة برنامج شراء الأصول بقيمة 120 مليار دولار شهرياً». وأقر رئيس الاحتياطي الفدرالي جاي باول بأن الانتعاش كان «متواضعاً»، لكن على الرغم من بقاء معدل تضخم مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي أقل بكثير من المستوى المستهدف المحدد بنسبة 1.5 في المئة في سبتمبر وارتفاع حالات الإصابة بالفيروس، فقد يحتاج البنك لرؤية دليل أوضح على التدهور الاقتصادي قبل ادخال المزيد من التدابير التيسيرية على السياسة النقدية التي تتسم فعلياً بالمرونة في الوقت الراهن.الإغلاق في أوروبا
تراجعت الأوضاع الاقتصادية في أوروبا على خلفية فرض عمليات إغلاق جديدة لاحتواء الارتفاع الكبير في حالات الإصابة بالفيروس منذ أكتوبر الماضي، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وتعتبر القيود التي تم فرضها أخيراً أقل شدة بصفة عامة مقارنة بتلك المطبقة أثناء تفشي الموجة الأولى من الجائحة، هذا إضافة إلى تحسن تكيف الشركات في الوقت الحاضر، مما قد يؤدي إلى إحداث تداعيات اقتصادية أقل حدة، لكن ما يزال من المرجح أن تدخل المنطقة في ركود اقتصادي في الربع الرابع من عام 2020 بعد الانتعاش القوي الذي شهدته في الربع الثالث من العام الحالي. إذ ارتفع الناتج المحلي الاجمالي لمنطقة اليورو في الربع الثالث من عام 2020 بنسبة 12.7 في المئة على أساس ربع سنوي (توقعات المحللين 9.6 في المئة). وجاء ذلك في أعقاب الانكماش بنسبة 3.7 في المئة و11.8 في المئة في الربعين الأول والثاني على التوالي، ليظل بذلك معدل الناتج المحلي الإجمالي أقل بنسبة 4 في المئة عن مستويات ما قبل الجائحة «الربع الرابع من عام 2019».ووصلت قراءة مؤشر مديري المشتريات المركب إلى 50 في أكتوبر مما يشير إلى الركود (وانكماش قطاع الخدمات)، لكن هذا المعدل من شأنه أن يشهد المزيد من التراجع مع بدء ظهور تداعيات الإغلاق. وعموماً فإن نهج «التوقف والعودة» الذي تتبعه أوروبا لحالات الإغلاق - على الرغم من حساسيته تجاه المخاوف الصحية – فإنه يخاطر بالدخول في دورة عدم اليقين التي تحد من الإنفاق الشخصي وتقلص إنفاق الشركات مما قد يقوض بدوره التعافي الاقتصادي حتى يتم طرح لقاح فعال.من جهة أخرى، استقر معدل البطالة بصورة جيدة حتى الآن عند مستوى 8.3 في المئة فقط في أكتوبر مقابل 7.3 في المئة في فبراير في ظل تمكن برامج التسريح المؤقت من إخفاء مواطن ضعف سوق العمل.وكان من المتوقع أن يبقي البنك المركزي الأوروبي على سياسته النقدية دون تغيير في أكتوبر، لكنه تعهد «بإعادة ضبطها» وفق ما تقتضيه الحاجة لدعم التعافي الاقتصادي ومواجهة تأثيرات الجائحة على التضخم. وتم اعتبار تلك الخطوة على أنها تلميح واضح لاتباع المزيد من التدابير التيسيرية في اجتماعه المقبل المقرر انعقاده في ديسمبر الذي قد يتضمن تمديد أو توسيع برنامج شراء الأصول البالغ قيمته 1.35 تريليون يورو، ومن المقرر أن ينتهي الصيف المقبل على أقرب تقدير. وظل معدل التضخم الأساسي في أكتوبر أقل بكثير من مستوى 2 في المئة المستهدف وبلغ أدنى مستوياته المسجلة على الإطلاق بوصوله إلى 0.2 في المئة على أساس سنوي، وإن كان ذلك يعود إلى حد ما إلى قيام ألمانيا بخفض ضريبة القيمة المضافة مؤقتاً والذي سينتهي بنهاية العام الحالي.وفي المملكة المتحدة، قام بنك إنكلترا بتوسيع نطاق برنامج شراء الأصول من 745 مليار جنيه إسترليني إلى 895 ملياراً بنهاية عام 2021 قبل تباطؤ الاقتصاد المتوقع حدوثه نتيجة فرض قيود الإغلاق الجديدة لمدة شهر في كل أنحاء إنكلترا اعتباراً من بداية شهر نوفمبر.