مع إقرار قانون الهيئة العليا للرقابة الشرعية ببنك الكويت المركزي، وتشكيلها من كفاءات محلية متنوعة، تبرز فرصة تاريخية لحوكمة الرقابة والتدقيق الشرعي على البنوك والشركات الإسلامية، بهدف تكريس المهنية والشفافية، وإتاحة الفرصة لتطوير صناعة المالية الإسلامية، ونقلها لآفاق عالمية. تعود تجربة التمويل الإسلامي المحلية لتأسيس بيت التمويل الكويتي في عام1977، والذي يعد من أوائل البنوك الإسلامية في المنطقة والعالم، وشهد القطاع نموا كبيرا منذ عام 2003، حيث تم إقرار أول قانون يسمح بتأسيس بنوك إسلامية جديدة، كما أتاح القانون للبنوك التقليدية القائمة بالتحول للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، فنما قطاع التمويل الإسلامي بعد أكثر من أربعين سنة من الانطلاقة، وأصبح من أهم القطاعات في الاقتصاد الكويتي، ويمثل جزءا رئيسيا من الحصة السوقية في بورصة الكويت، حيث إن نصف القطاع المصرفي الكويتي هو من البنوك الإسلامية، التي تملك أكثر من ٦00 فرع حول العالم، يعمل فيها قرابة 12.000 موظف، بإجمالي أصول تقارب الـ100 مليار دولار، وتشكل تقريبا نحو 40 في المئة من إجمالي أصول البنوك، و41 في المئة من حصة التمويل، و4٥ في المئة من الودائع في الكويت، فضلا عن الشركات الإسلامية والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية في القطاعات الأخرى، حيث تمثل هذه الشراكات غالبية الشركات المدرجة في بورصة الكويت من حيث القيمة السوقية أو العدد.لكن مازالت صناعة المالية الإسلامية بحاجة للإبداع وتفعيل الحوكمة الحصيفة، للمحافظة على الريادة والنمو العالي، والسبق التي كانت تتميز بها، لذلك المطلوب من العاملين في قطاع المالية الإٍسلامية الاستمرار في بناء القدرات المؤسسية، لتحقيق مزيد من التطور والابتكار في الصناعة بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام، ونقلها لآفاق عالمية، خصوصا في ظل وجود بعض الممارسات المتكررة التي تخالف مقاصد الشريعة، وأهداف صناعة المالية الإسلامية السامية، فبعد عشرات السنوات من التجارب والخبرات، المطلوب اليوم الانتقال بالقطاع لمرحلة أكثر مهنية وشفافية، وتثبيت القواعد والإنجازات التي تم اكتسابها عبر السنوات، من خلال حوكمة حصيفة وحكيمة لضوابط الرقابة الشرعية، لذلك أتمنى من الجهات الرقابية والسلطة التشريعية العمل على:
1. حوكمة قواعد الرقابة الشرعية بطريقة مشابهة لطريقة حوكمة البيانات المالية، من حيث الإفصاحات الدورية والرقابة الداخلية والتدقيق الخارجي والتقارير الدورية والسنوية، بحيث تجبر الشركات على نشر تقارير فصلية للهيئات الشرعية والمدقق الشرعي الخارجي في موقع البورصة والرسمي للشركة، كما يجب إجبار الشركات على نشر تقاريرها الشرعية السنوية وجميع فتاوى لجانها الشرعية بصورة مطابقة لتقارير الشركات الإدارية والمالية، لتكريس المزيد من الشفافية.2. إصدار قوانين وتعليمات تحدد المسؤوليات القانونية على الهيئات الشرعية والمدقق الشرعي الخارجي والإدارة التنفيذية، مع وضع عقوبات رادعة لأي طرف لا يلتزم بتطبيق أحكام الشريعة، بشكل مشابه لما هو معمول به مع الأمور المالية ومكاتب التدقيق المالي الخارجي، بالإضافة لإعطاء اللجان الشرعية والمدقق الشرعي الداخلي والخارجي حق التبليغ حول أي شبهات شرعية لهيئة أسواق المال وباقي الجهات الرقابية مع ضمان حماية وسرية المبلغ.3. إجبار البنوك وجميع شركات الاستثمار الإسلامية بأخذ قرارات الهيئات الشرعية قبل الاستثمار وتوقيع العقود، وإلزامها بنشر رأي هيئاتها المعتمدة والموقعة من كل الأعضاء مع جميع الإفصاحات المرتبطة بصفقات وعقود تتطلب رأيا شرعيا، قبل الشروع وإبرام أي صفقة. 4. إنشاء أقسام خاصة في الجهات الرقابية مختصة بالتدقيق ومتابعة الشركات التي تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والعمل على تطوير القواعد الرقابية على البنوك والشركات الإسلامية، حيث تشكل قطاعات المالية الإسلامية ما يقرب من 50 في المئة من السوق المحلي، لذلك يجب أن يتناسب حجم الرقابة مع عدد وحجم الشركات، كما يجب العمل والسعي على تأهيل كوادر رقابية تعمل على تطوير الصناعة. 5. تفعيل التعاون بين هيئة أسواق المال ووزارة التجارة مع الهيئة العليا للرقابة الشرعية ببنك الكويت المركزي، بحيث يتم توسيع أعمال الهيئة العليا للرقابة الشرعية لتشمل الإشراف الشرعي على شركات الاستثمار، بحيث تكون المرجعية الموحدة لصناعة المالية الإسلامية المحلية، من خلال اعتماد ضوابط للمعاملات والعقود المتكررة مثل المرابحة والتورق والإجارة، مع إتاحة المجال للابتكار والإبداع للجان الشرعية في الشركات، لكن تظل للهيئة العليا للرقابة الشرعية السلطة في مراجع فتاوى وقرارات اللجان الشرعية واعتمادها، لضبط الصناعة ووقف أي شذوذ فردي، والتأكد من أنها لا تخالف قواعد صناعة التمويل الإسلامي المعمول بها والمعتمدة في الكويت. 6. يجب على جميع الجهات الرقابية التعاون والتنسيق لتنظيم ووضع ضوابط واضحة لتعريف الشركات المتوافقة، وطريقة تداولها واستخداماتها كضمانات مالية، والعمل على تشجيع الهيئة العليا للرقابة الشرعية على ضبط وإصدار قواعد تصنيف الشركات الإسلامية والمتوافقة، مع إصدار قوائم فصلية معتمدة من الجهات الرقابية لتصنيف الشركات المدرجة في بورصة الكويت خصوصا، والأسواق الإقليمية والعالمية مستقبلاً، بحيث تكون مرجعا معتمدا لشركات الاستثمار والصناديق وباقي المتداولين، وإخضاع أي جهة لا تلتزم بالقوائم بالمسؤولية القانونية لمخالفة النظام الأساسي للشركة أو الصندوق.7. تأهيل صف ثان من أعضاء الهيئات الشرعية ومكاتب التدقيق الشرعي، من خلال الفصل بين ملكية مكاتب التدقيق وعضوية الهيئات الشرعية، وتشجيعهم على التخصص، من خلال تخييرهم بين الاستمرار في عضوية الهيئات الشرعية أو ملكية مكاتب التدقيق الشرعي، وتطبيق الفصل بالملكيات حتى أقاربهم من الدرجة الأولى.8. وضع خطة زمنية لتقليص عدد اللجان الشرعية المسموح بالعمل في عضوية هيئاتها، ووضع حد أقصى مشابه لعضويات مجالس الإدارة، ويمكن الاستفادة من التجربة الماليزية التي تسمح لأعضاء الهيئات الشرعية بالعمل في ثلاث لجان شرعية فقط، حيث يمكن الجمع بين عضوية الهيئات الشرعية في بنك واحد، ومؤسسة استثمارية واحدة، وشركة تأمين فقط.9. دعم البرامج التعليمية المشتركة بين الكليات الشرعية وإدارة الأعمال، لتوفير وتطوير وتأهيل الكوادر الوطنية للعمل في القطاع، حيث إن هناك شُحا بالكفاءات والمهارات والمخرجات التعليمية، كما أوضح محافظ البنك المركزي د. محمد الهاشل وقيادات المصارف الكويتية في أكثر من مناسبة.قسم التمويل في كلية العلوم الإدارية -*جامعة الكويتAlthaqeb@cba.edu.kw@salthajeb تويتر
مقالات
وجهة نظر: الهيئة العليا للرقابة الشرعية فرصة تاريخية لحوكمة الشركات الإسلامية
17-11-2020