نزاهة الانتخابات القادمة وسلاستها
تعتبر الانتخابات البرلمانية القادمة انتخابات استثنائية بكل المقاييس، وهي استثنائية لأنها تتم بعد أن انتقلت الكويت إلى عهدٍ جديدٍ يقوده كل من سموّ الأمير وسموّ وليّ العهد، ويحمل في دلالاته متغيرات مهمة تُنبئ عن مستقبل يحمل انفراجاً سياسياً وتعزيزا ديمقراطياً يكرّس النهج الدستوري القويم، بمؤسساته المعروفة وبحرّياته العديدة والمتنوعة، وهو عهدٌ فيه تحديات عديدة محلياً وإقليمياً ودولياً.ولعلّ الخطابين الذين دشّن فيها كلّ من سمو الأمير وولي العهد بداية مسؤولياته، تكشف عن توجهات المرحلة الجديدة، التي عنوانها اهتمام بالبناء المؤسسي للدولة، والاتكاء على المشاركة الشعبية باعتبارها رديفاً مهماً لمعاونة الحكم والتعاضد معه نحو كويت جديدة عنوانها مسؤولية وبناء، وهو ما يستلزم مصالحة وطنية وعفواً عاماً ونظاماً انتخابياً جديداً وعادلاً، ولعلّ استشراف المستقبل، من جملة المعطيات التي أمكن للمتابع أن يرصدها في الأسابيع القليلة الماضية، يبعث على التفاؤل بشأن الأجواء السياسية القادمة، بما فيها من انفراج وتعظيم لدور المؤسسات وملاحقة الفساد ومحاسبة المسؤولين، وعدم التساهل بأية ملفات لها قيمة وأهمية وطنية. واستشراف المستقبل يؤكد الوضع الاستثنائي للانتخابات القادمة، التي تُجرى أيضاً في ضوء وجود رئيس للحكومة لم يكن له خيار واسع في تشكيل حكومته القائمة، فجاءت مثقلة بتركة وُرثت له بخيارات محدودة، إذ إن مكونات مجلس الأمة كانت عاملاً ضاغطاً بصورة استباقية، وعلى الرغم من أنه كُلّف بمسؤوليتها في فترة قصيرة، فقد اتضح في بعض قرارات حكومته – رغم قلّتها – وجود نَفَس إصلاحي لديه، ونحن اليوم بحاجة إلى حكومة تتسم بالجرأة والوضوح في تبنّي خياراتها، ولعل الظرف الدولي الذي أتى بـ "جو بايدن" إلى البيت الأبيض وانعكاسات ذلك على السياسات الدولية وعلى الأوضاع الإقليمية، يُكسِب الانتخابات الكويتية القادمة وضعاً استثنائياً إضافياً، لسنا بعيدين عن تأثيراته ولا إفرازاته، مما يتطلب حصافة في التعامل مع المتغيرات الدولية والإقليمية.
وإذا كان تزامن الانتخابات مع جائحة كورونا يمثّل ظرفاً استثنائياً آخر، فإن كل تلك العوامل مجتمعة تنعكس على ما تكتسبه الانتخابات البرلمانية القادمة من أهمية استثنائية.فالكويت اليوم تحتاج إلى إعادة التفاؤل لدى الناس، وتبديد حالة الإحباط والتشاؤم، اللتين خلّفهما مجلسا ٢٠١٣ و٢٠١٦ وما ولّداه من خيبة أمل وتراجع مريع في أداء وعمل مجلس الأمة ودوره. وحتى يخرج الناس من عنق زجاجة الاحتقان واليأس، لابدّ أن نتطلع للأمور الآتية:- انتخابات نزيهة بعيداً عن أي نوع من التدخل والتوجيه من قبل السلطة والحكومة، وأن يترك الأمر للخيارات الشعبية الكاملة، مع محاربة ووقف أي توظيف للمال السياسي الفاسد، والقبض على رموز شراء الأصوات والتصدي لهم، وركنٌ لازمٌ لنزاهة الانتخابات شفافيتُها بإشراك مناديب المرشحين بكل إجراءات الانتخابات، حضوراً ومراقبة ومشاركة وتدقيقاً لأسماء الناخبين، وعدم تقليص المندوبين، وكذلك إطلاعهم على ورقة الانتخاب أثناء الفرز، بعيداً عن تفرّد رجال القضاء بذلك، كما يصرّ على ذلك بعض رؤساء اللجان، خلافاً لأحكام القانون.كما يلزم أن تكون إجراءات الانتخاب سلسة ورشيقة مع دقّتها، بحيث لا يأخذ الناخب أكثر من دقيقة منذ دخوله قاعة الاقتراع حتى خروجه منها، مع إبعاد أي شكل لعرقلة أو تأخير أو التأثير على حرية الانتخاب ومجرياته، وإيجاد طوابير انتظار تولّد مللاً وتراجعاً عن الإدلاء بالصوت في الانتخابات.- حرص السلطة والحكومة على التزام الحياد الكامل في جميع إجراءات العملية الانتخابية، وكذلك في الوقوف مسافة واحدة من المرشحين كافة، ليكون ذلك تمهيداً لصفحة جديدة لإيجاد تعاون منشود من أجل المصلحة الوطنية، ولا يخفى أن هناك رغبة متصاعدة أن تلزم الحكومة الحياد في تكوين مكتب مجلس الأمة، للتغيير للأفضل، وبما يواكب المرحلة الجديدة ومتغيراتها، بعد أن فقد الناس الثقة بمجلس الأمة إثر تدني أدائه وتبديد هيبته البرلمانية.