أكد استشاري الأمراض المعدية والفيروسية والأستاذ الإكلينيكي بجامعة «بريتيش كولومبيا» الكندية «UBC» د. أسامة العنزي، أن الموجة الأولى من وباء «كورونا» لم تنته في الكويت، لافتاً إلى «أننا شهدنا مناعة قطيع مقننة».وقال العنزي في حواره مع «الجريدة»: «إذا أردت أن تفوز في سباق اللقاحات فعليك الرهان على أكثر من حصان في نفس السباق»، مشيرا إلى أنه يمكن أن تتعاقد على لقاح وقد يأتي متأخراً أو أن تكون به مشكلة في درجة الأمان.
وأوضح أن الإجراءات المتشددة حالياً ليست لازمة، ولا تستند إلى دليل علمي، فالإحصاءات في الكويت توحي عكس ذلك، مؤكداً أن هذه الإجراءات ترهق البلد اقتصادياً، وتؤثر على المواطنين نفسياً.وناشد الحكومة إعادة فتح مطار الكويت الدولي، وأن يكون حجر السفر 3 أيام بوجود مسحة، مشيراً إلى أن ضبط الحياة يكون من خلال توعية الناس وتطبيق التباعد الجسدي وارتداء الكمامة، لا بإغلاق المطار، فهذه الخطوة لن تقلل من الحالات، وهذا ثابت بأدلة علمية.وأضاف أنه من خلال الإثباتات والأدلة العلمية وآراء الخبراء يمكن الخروج بحذر إلى الحياة الطبيعية، آملا أن تتقيد الحكومة ووزارة الصحة بالدليل العلمي، وأن تحذو حذو الدول التي تتوسع في إجراء الفحوصات، والاقتداء بالأشقاء في الإمارات العربية المتحدة وقطر التي تتخطى عدد فحوصاتها اليومية الـ 100 ألف... وفيما يلي نص الحوار:• بداية كيف تقيّمون تعامل وزارة الصحة مع جائحة «كورونا» منذ ظهورها وحتى الآن؟- أداء الكويت ووزارة الصحة في التعامل مع الجائحة كان رائداً وسباقاً من حيث الإجراءات الاحترازية المتشددة في التحكم في جائحة «كورونا»، وما زلنا من الدول التي تعد من أقل نسب الوفيات.وأستطيع القول إنه من خلال الإثباتات والأدلة العلمية يمكن الخروج بحذر إلى الحياة الطبيعية، وهي أدلة مثبتة بالدليل العلمي وآراء الخبراء.في الوقت الحالي وبعدما سمعنا أن «الصحة» توصي بفرض حظر جزئي وإغلاق المطار من وإلى الكويت، نرى أن إجراءات التشدد في الوقت الحالي ليست لازمة، ولا يؤيدها دليل علمي، فالإحصاءات في البلاد توحي عكس ذلك، إذ إن العناية المركزة في وقت من الأوقات زاد فيها عدد المرضى على 200 حالة، أما الآن فالأرقام في حدود الــ 100 حالة، مما يعني أن وضع الكويت بصورة عامة أفضل، وهو ما يؤكد متانة النظام الصحي في البلاد.كما أن الإجراءات المتشددة ترهق البلد اقتصاديا وتؤثر على المواطنين نفسيا، ولا أعتقد أنها ستغير في أعداد الحالات في الوقت الحالي بالمقارنة مع المراهنة على وعي المواطن، وتطبيق قرار وزير الصحة رقم 83 لسنة 2020 بشأن الالتزام بلبس الكمام الواقي وتغطية الأنف والفم بأي وسيلة أخرى.
الموجة الثانية
• تضرب الموجة الثانية من الجائحة العديد من دول العالم الآن خصوصاً في أوروبا... فهل نحن في الكويت مازلنا بـ «الأولى» أم أننا دخلنا في «الثانية»؟- بعض الدول الأوروبية ومنها دول كبرى مثل فرنسا فرضت الإغلاق بسبب «كورونا» منذ الأول من نوفمبر وحتى مطلع ديسمبر مع إعادة تقييمها كل أسبوعين، بسبب تفشي الوباء فيها، وكانت هذه الموجة مع دخول موسم البرد في أوروبا.أما في الكويت لم نر تزايدا ملحوظا يستدعي أخذ إجراءات متشددة، وهذا يثبت مرة أخرى متانة المنظومة الصحية الكويتية، فالموجة الأولى في البلاد لم تنته أصلا، فمنذ بدء الأزمة كانت عدد الحالات بمعدل لا يزيد على 1000 حالة يوميا، واستمرت على ذلك. وأرى أن ما حصل مناعة قطيع «مقننة»، وهذا يعني انتشار المرض في المجتمع، ولكن بتحكم، بحيث لم يخرج الأمر عن طاقتنا السريرية.والسؤال هنا هل كان هذا بتخطيط من الإدارة الصحية أم أنه حصل من قبيل المصادفة؟ ولكن هذا أمر جيد.التوسع في المسحات
• ذكرت أننا لم نخرج من الموجة الأولى فكيف يمكن الحد منها من وجهة نظرك؟- يتم التحكم فيها من خلال زيادة عدد مسحات الـ»PCR» وهناك قصور في ذلك، فدولة الإمارات العربية المتحدة تجري أكثر من 100 ألف مسحة في اليوم لمرض «كوفيد 19»، وعلى سبيل المثال لا الحصر أجرت الإمارات 116 ألفا و83 مسحة في 4 نوفمبر الماضي.ومن خلال هذه الطريقة يمكن التعرف على الحالات وحصرها وعزلها، بحيث يقل انتشار المرض في المجتمع. وهناك دليل علمي في مجلة «لانسيت» الأوروبية الطبية المرموقة يشير إلى أن التأخير في إجراء المسحات أكثر من 3 أيام مرتبط بانتشار المرض.والهدف أن يكون معدل الانتشار أقل من 1، وهذا يعني انحسار الوباء، أما إذا كان معدل الانتشار وهو مستوى تفشي المرض في المجتمع أكثر من 1 فذلك يعني أن الوباء منتشر، وهو ما يستدعي زيادة الإجراءات للتحكم في الوباء، أما إذا كان المعدل أقل من 1 هذا يعني أنه في انحسار وهو ما يستدعي تقليل الإجراءات الاحترازية.ونأمل أن تتقيد الحكومة الكويتية ووزارة الصحة بالدليل العلمي، وأن تحذو حذو الدول التي تتوسع في إجراء الفحوصات، والاقتداء بالأشقاء في الإمارات وقطر.الحجر للأطباء والمواطنين
• حددت الوزارة 7 أيام للحجر المنزلي للأطباء والطواقم الطبية العائدة من الخارج و14 يوماً للآخرين... فهل هناك تفسير علمي لذلك؟- علمياً وعالمياً فترة الـ 7 أيام كافية للحجر لنفي الإصابة في حالة وجود مسحة. ولكن «الصحة» تبنت أسبوعا لمنتسبيها، وأبقت على 14 يوما لباقي المواطنين بسبب حاجة الوزارة لكوادرها الطبية، ويجب تعميم «الـ 7 أيام» على بقية المواطنين للحجر المنزلي أو غيره، كما أناشد الحكومة إعادة فتح مطار الكويت الدولي، وأن يكون حجر السفر 3 أيام بوجود مسحة. ومن المهم القول إن ضبط الحياة يكون من خلال توعية الناس وتطبيق التباعد الجسدي وارتداء الكمامة، لا بإغلاق المطار، فهذه الخطوة لن تقلل من الحالات، وهذا ثابت بأدلة علمية، فالسفر في الطيران أكثر أماناً من الوجود في المباني الحكومية أو المطاعم أو المدارس أو القطارات.الرسم البياني
• كيف تفسر اختلاف الرسم البياني فيما يتعلق بأعداد المصابين بالكويت عن باقي الدول؟- أغلب الدول شهدت قمة في الرسم البياني لأعداد حالات «كورونا» في بلدانهم، وكان هناك نزول ثم ارتفاع آخر وحصول موجات أخرى، باختلاف الكويت التي كان فيها الرسم البياني لعدد الحالات مسطحا.ويعود هذا إلى أن الكويت كانت تجري من 2000 إلى 4000 مسحة يوميا خلال أغلب أوقات الجائحة، ومؤخرا وصلت المسحات إلى نحو 8000 مسحة يوميا، ثم عدنا مرة أخرى إلى أقل من 8000، وكانت الحالات الإيجابية في حدود الـ 25 في المئة تقريبا من عدد الإصابات. وكوننا من البداية لم نتوسع في عدد الفحوصات مثل الإمارات وقطر لم نر القمة، ولو اقتدت الكويت بالدول الشقيقة لرأينا أن نسبة الـ %25 توازي 25 ألف حالة إيجابية يوميا.وإذا أردت أن ترى قمة الرسم البياني فلابد أن يكون عدد الفحوصات أكثر من عدد الحالات المشخصة، فنحن لم نتوسع في عدد المسحات ولم نر القمة أصلا، لذلك لا يوجد شخص يستطيع أن يقول إننا خرجنا من الموجة الأولى ودخلنا في الثانية، وذلك يعود إلى عدم التوسع في عدد المسحات، ولعدم معرفتنا بالعدد الحقيقي للحالات، لذلك أخذنا أعداد مرضى العناية المركزة مؤشرا لتحديد ذلك.ويمكن القول إننا أغفلنا جزءا مهما في التحكم بالوباء وهو التوسع في إجراء المسحات.علاجات الفيروس
• ما مدى دقة ما يتردد من أن أدوية وعلاجات «كورونا» لم تحصل على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأميركية «FDA» كعلاج نوعي للوباء؟- منذ بداية الأزمة قلت إن الجائحة ستبدأ وتنتهي ولن يتم التوصل إلى دواء مباشر وفعال في معالجة فيروس «كورونا» أو قتله والقضاء عليه، لأن هذا الأمر يستدعي العمل سنوات في البحث العلمي والتجارب للتوصل إلى ذلك.ولكن هناك أدوية أثبتت فعاليتها، فهي لا تقتل الفيروس، ولكنها تتحكم في الجهاز المناعي للمريض مثل دواء «ديكساميتيزون»، الذي أجريت عليه دراسة علمية بريطانية على 2000 شخص أثبت أنه يقلل نسبة الوفاة في العناية المركزة بـ 30 في المئة لمرضى العناية، و20 في المئة للمرضى في الأجنحة، مع العلم أن هذا الدواء موجود منذ ستينيات القرن الماضي، وسعره رخيص جدا لا يتعدى بضعة دولارات، بعكس عقار «ريمديسفير» الذي يكلف كورس العلاج نحو 10 آلاف دولار، وأثبتت الدراسات عدم فعاليته أو تقليله لعدد الوفيات على الرغم من اعتماده من هيئة الغذاء والدواء الأميركية «FDA»، علما بأن هذا الدواء تم توفيره في الكويت. لذا يجب على «الصحة» توخي الحذر حتى إذا كان الدواء معتمدا من هيئة الغذاء والدواء الأميركية، فهذا الاعتماد لا يعني فعاليته، ويعتبر هدرا للمال العام، ويجب الرجوع إلى الخبراء لأخذ رأيهم قبل جلب أي دواء، لأن ليس كل دواء معتمد فعالا، وقد يؤدي جلبه إلى هدر المال العام وبدون فعالية.بلازما المتعافين
• بلازما المتعافين من «كورونا» هل هي علاج مرخص من هيئة الغذاء والدواء الأميركية كعلاج نوعي لـ «كوفيد 19»؟- علاج بلازما الدم غير مرخص كعلاج نوعي، ولكن يمكن استعماله كعلاج طارئ تحت التجربة.لقاح «فايزر» و«موديرنا»
• كيف تقرأ إعلان شركتي «فايزر» و»موديرنا» عن لقاحهما ضد «كورونا»؟- قرأنا إعلان «فايزر» عن أن اللقاح المضاد لـ «كوفيد 19» آمن بدرحة 90 في المئة، وأنه سيطرح بداية العام المقبل، وكذلك «موديرنا» الأميركية أعلنت الوصول إلى لقاح بنسبة مأمونية 94.5 في المئة. وسمعنا أيضا قبل فترة بتعاقد الوزارة مع منظمة «جافي» العالمية للقاحات لتوفير اللقاح في الكويت، وخرجنا في هذا الوقت بتصريح وتغريدة ونصحنا بعدم وضع البيض في سلة واحدة، وذلك لتوافر لقاحات أخرى كثيرة وفعالة، وخارج مظلة «جافي»، ومن بينها لقاح «فايزر»، ولهذا السبب يجب التعاقد مع أكثر من شركة لاختلاف فعاليات التطعيمات ومأمونيتها، ولعدم معرفتنا أو تكهننا بالتطعيم الذي سيخرج أولا وسيكون معتمدا، وما هو أكثرهم مأمونية وفعالية.إذا أردت أن تفوز في سباق اللقاحات فعليك الرهان على أكثر من حصان في السباق، لأنه يمكن أن تتعاقد على لقاح وقد يأتي متأخرا، أو أن يكون به مشكلة في المأمونية.الخوف من التطعيم
• لكن الكثير من الشرائح تخشى من لقاح «كورونا».- صحيح أن هناك الكثير من الناس يخافون من هذه التطعيمات ويرفضون الحصول عليها، لأنها بصورة عامة تحتاج إلى سنوات ليتم تطويرها واكتشافها واعتمادها في الوضع الطبيعي، ولكن في الوضع الاستثنائي قامت جميع الدول والمنظمات الصحية العالمية وشركات الأدوية بتعجيل إجراءاتها لاعتماد تطعيمات «كوفيد 19»، وذلك لوجود أزمة عالمية واضحة التأثير على الاقتصاد العالمي فتم تقديم تسهيلات وتسريع الإجراءات لاعتماد تطعيمات عالمية.وعلى الرغم من السرعة في التوصل إلى هذه التطعيمات، فإن أغلبها وحتى الساعة لم يظهر أي مضاعفات خطيرة على المرضى تستدعي عدم اعتمادها، كما أن أعراضها الجانبية تشبه أعراض تطعيم الإنفلونزا الموسمية.وللعلم فإن الدقة والأمانة العلمية في البحث الإكلينيكي الطبي في الأبحاث العلمية لا يمكن التراخي أو التساهل فيهما نهائيا، خصوصا في مسألة مأمونية الأدوية أو التطعيمات.يجب ألا نتعجل بالحكم على التطعيمات حتى تصدر نتائج المرحلة الثالثة والمهمة في تطعيمات «كوفيد 19»، وبعدها يتم اعتماد اللقاح من المنظمات الصحية الدولية.أما بالنسبة لتصريح مدير «فايزر» فهو تصريح تجاري، ولا يجب اعتماده حتى يصدر فيه بحث علمي مرموق، لكنه مبدئيا خبر مبشر.اختياري
• ما الفئات الأكثر احتياجاً للتطعيم؟ وهل سيكون اختيارياً أم إجبارياً؟- تطعيم «كورونا» لن يكون إجباريا على المستوى العالمي، ولكن سينصح به للفئات عالية الخطورة في البداية مثل العاملين في الخطوط الأمامية، وأهمهم منتسبو القطاع الصحي والعاملون في القطاع العسكري كوزارات الداخلية والدفاع والتجارة والحرس الوطني، والبلدية وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة ومن يعانون السمنة، وفي حالة تغطية هذه الفئات يمكن بعدها فتح التطعيم للراغبين بشكل اختياري وليس إجباريا.«التطعيم يحول البشر إلى روبوتات»... خيال علمي ويتعارض مع المهنة
وجه د. أسامة العنزي رسالة إلى المشككين في تطعيم «كورونا» وأصحاب نظرية المؤامرة ومن يقولون، إن التطعيم يسعى لتغيير الناس جينياً أو وضع شريحة في أجسادهم للتحكم بهم وكأنهم «روبوتات»، لافتاً إلى أن هذا الكلام أقرب إلى الخيال العلمي ولا يوجد في أخلاقيات مهنة الطب.وأضاف العنزي أنه لا يوجد أي طبيب أو باحث علمي في مجال الطب يقر هذا الكلام أو يساهم فيه، مؤكداً أن أصحاب هذه التصريحات في المستقبل وبعد ظهور هذه التطعيمات سيصابون بخيبة أمل، ولن يجنوا سوى تشويه سمعتهم الشخصية.