لماذا لا أحب لبنان ولماذا لا أكتب عنه؟! أستطيع القول لأبناء الجيل الحالي إن آباءكم وأجدادهم الكويتيين اكتشفوا وعرفوا هذا البلد الجميل قبل مئة عام مضت، ووجدوا فيه الراحة والهدوء والمعاملة الجيدة وحُسن الاستقبال والضيافة الممتازة والطبيعة الخلابة والمناخ الجميل، وكذلك الثقافة والأدب والصحافة الحرة.

وللأمانة - يشهد التاريخ - لم نجد من الإخوة اللبنانيين على مرّ العصور إلا كل محبة وتقدير واحترام، ولم نسمع خلال تلك السنين كلمة واحدة من مسؤول أو مواطن لبناني تسيء أو تنتقد الكويت، بل في كل مناسبة نسمع الثناء والشكر والتقدير للحكومة ولكل أهالي الكويت، ويكفي الموقف المشرّف في أول يوم عندما غزا العراق وطننا الكويت، وأعلن لبنان تضامنه مع الكويت ورفضه بشدة هذا الاحتلال.

Ad

هذا... وفي مقالة سابقة مستفيضة تحدثت عن خصوصية العلاقات الشعبية الكويتية مع لبنان، وما كان يجده الكويتيون في ربوع مصايفه الرائعة خلال الإقامة على مدى فصول الصيف كاملة بمعدل ربع العام إجازة في لبنان، وحين كتبت سلسلة المقالات السابقة لم آتِ على ذكر للجانبين الثقافي والأدبي، والحقيقة لهذا الموضوع نصيب وافر وحكايا وقصص طويلة لا تنتهي، وكل أدبائنا وشعرائنا، في الماضي، ارتبطوا بعلاقات حميمة ووطيدة مع الأدباء والشعراء اللبنانيين، وكتبوا المقالات والأشعار والذكريات عن لبنان، وبادلهم الأدباء اللبنانيون بنفس الشيء عن الكويت، بل زادوا على ذلك بتأليف العديد من الكتب التي تختص بالكويت في كل المجالات، وأصبحت بالوقت الحاضر من نوادر الكتب التراثية التي دونت عن الكويت.

ولا أخفي سراً، فقد كان لي ارتباط قديم مع كل المنتديات الثقافية والأدبية اللبنانية، وعلاقتي معهم ممتازة وطيبة، وهذه المنتديات الأدبية تضم كل الطوائف اللبنانية ودياناتها ومعتقداتها المختلفة، لأن الثقافة والأدب يجمعان الكل لهدف واحد سامٍ، ولا تفرقة بين مذهب أو طائفة أو انتماء.

وفي العهود الماضية، كان لي شرف حضور هذه المنتديات وإلقاء العديد من المحاضرات عن الكويت وتاريخها الأدبي والثقافي، واللبنانيون تواقون دائماً لمعرفة هذه الأمور وكذلك لعموم العلاقات الكويتية - اللبنانية الوطيدة، والصورتان في هذه المقالة لإحدى المحاضرات في قصر الأونسكو في بيروت، بحضور وزير الثقافة والإعلام اللبناني، آنذاك، د. طارق متري، ومدير قوى الأمن اللبناني اللواء أشرف ريفي، الذي أصبح فيما بعد وزيراً للعدل، وحشد كبير من الشخصيات اللبنانية.

والظريف أنه كان من بين المدعوين المطرب اللبناني المعروف وديع الصافي، وفي نهاية المحاضرة، طلب الوزير د. متري من الصافي تقديم فقرة غنائية سريعة من إحدى أغانيه، والتفت نحوي وسألني لاختيار الأغنية، فقلت: لا يوجد أجمل من أغنية "طلّوا أحبابنا طلّوا... نسّم يا هوا بلادي"، وحين انطلق الصافي بصوته الجهوري، الذي جلجل بالصالة، قام المدعوون من مقاعدهم وعقدوا حلقة الدبكة اللبنانية في ردحتها المعروفة، مما أضاف بهجة ورونقاً في أجواء الاحتفالية.