«بتكوين»... صحوة الفقاعة أم واقع عالمي جديد؟
عادت عملة بتكوين المشفرة لتتصدر عناوين الصحف والمواقع الإخبارية حول العالم، مع الارتفاع المتواصل في سعرها، وتسجيل مستويات غير مسبوقة منذ ثلاث سنوات تقريباً.
«هذا الوقت مختلف»... يعتبر الكثير من الاقتصاديين أن هذه العبارة البسيطة كانت سبباً رئيسياً في تكرار الأزمات المالية على مدار التاريخ، مع اعتقاد البعض دائماً أن الواقع يختلف عما حدث سابقاً.وتمثل طفرة عملة «بتكوين» المشفرة في الفترة الأخيرة اختباراً جديداً حول ما إذا كان هذا الصعود بمنزلة تكرار لما حدث قبل 3 سنوات، أم انه يشكل بداية تغيرات جديدة.
عودة الطفرة
- عادت عملة بتكوين المشفرة لتتصدر عناوين الصحف والمواقع الإخبارية حول العالم، مع الارتفاع المتواصل في سعرها، وتسجيل مستويات غير مسبوقة منذ ثلاث سنوات تقريباً.- صعدت العملة المشفرة الأكبر من حيث القيمة السوقية لمستوى 18.393 ألف دولار خلال تعاملات أمس الأول، وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر 2017.- منذ بداية العام الحالي حتى الآن، ارتفع سعر بتكوين نحو 150 في المئة، ما يجعلها تتجاوز عائد الاستثمار في الذهب وأسواق الأسهم في الاقتصادات الكبرى والناشئة.- تبدو «بتكوين» قريبة من الوصول للقيمة المسجلة في نهاية عام 2017 قرب مستوى 20 ألف دولار، والتي أعقبها هبوط أحدث دوي للعملة المشفرة دفعها لفقدان أكثر من 80 في المئة من قيمتها في غضون عام واحد.- القيمة السوقية للبيتكوين –إجمالي عدد العملات قيد التداول ضرب السعر – وصلت إلى 337 مليار دولار لتتجاوز القيمة المسجلة في ديسمبر 2017 عند 331.8 مليار دولار، مع ارتفاع المعروض من العملة.- تزامن صعود العملة المشفرة مع عدة تطورات إيجابية على صعيد الاستخدام الفعلي والاهتمام من قبل بعض كبار اللاعبين، ما جعل تخزين واستخدام العملة أبسط وأقل خطراً.- أعلنت «باي بال» في الشهر الماضي السماح لعملائها في الولايات المتحدة بالشراء والبيع، والاحتفاظ بالعملات المشفرة في حساباتهم لديها، مع خطة تستهدف استخدامها لاحقا في شراء السلع.- شركة «سكوير» أيضاً أعلنت في أكتوبر الماضي شراء عملات بتكوين بقيمة 50 مليون دولار، مع السماح للمستخدمين بتداول العملة المشفرة عبر تطبيقاتها.- قبل شهر واحد فحسب، كشف الملياردير ومدير صناديق التحوط الشهير بول تيودور جونز امتلاكه استثمارات صغيرة في «بتكوين» والتي وصفها بـ»مثل الاستثمار مع ستيف جوبز في آبل أو غوغل».وقت مختلف
- يرى بعض المتفائلين بمستقبل العملات الإلكترونية أن مخاوف تكرار قصة صعود وانهيار البتكوين قبل ثلاث سنوات قد لا تكون مبررة هذه المرة، بدعوى وجود اختلافات تتعلق بظروف السوق والاقتصاد والمستثمرين أنفسهم.- يعتقد بعض المتابعين أن العملات المشفرة أصبحت ملاذا للمستثمرين من تقلبات أسواق الأسهم وفشل الأصول الآمنة التقليدية مثل الذهب والسيولة النقدية في توفير الحماية المطلوبة والمكاسب المأمولة.- خفضت معظم البنوك المركزية الكبرى معدلات الفائدة لمستويات قياسية متدنية للتغلب على تداعيات وباء «كوفيد-19»، ما ألقى بظلاله على الارتفاع التاريخي للسندات سالبة العائد التي تجاوزت 17 تريليون دولار.- يخشى متابعون أن سياسة طباعة الأموال وضخ السيولة بوتيرة غير مسبوقة (نحو 19.5 تريليون دولار قيمة حزم تحفيز مالية ونقدية منذ بداية الوباء) تثير مخاوف تتعلق بارتفاع معدل التضخم خلال الفترة المقبلة.- تمتلك بتكوين بصفة خاصة ميزة نسبية تتمثل في وجود معروض محدود بحد أقصى مسموح يبلغ 21 مليون وحدة، على خلاف العملات السيادية مثلاً والتي يمكن طباعتها بقدر ما ترغب الحكومات والبنوك المركزية.- يشعر الداعمون للعملة المشفرة أن فكرة المعروض المحدود قد تخلق حالة من العجز المستمر بين الطلب والعرض، ما يجعل بتكوين أداة للحماية من احتمالات تسارع التضخم وفقدان العملات الورقية لقوتها الشرائية.- من أبرز أسباب الصعود السريع والقياسي للعملة المشفرة قبل ثلاث سنوات هو «الفومو»، أو خوف البعض من فقدان الفرصة، حيث يخشى الناس عدم استغلال فرصة الارتفاع، وتحقيق المكاسب السريعة، وهو ما يساهم في زيادة الطلب المضاربي، وبالتالي يتسبب في رفع السعر أكثر. - تبدو بتكوين في نظر البعض بمنزلة بديل لمكانة الذهب في المحافظ الاستثمارية، خصوصا فيما يتعلق بالتحوط من احتمالات تسارع التضخم.- شهد صندوق «جراي سكيل بتكوين ترست» تدفقات نقدية ملحوظة مؤخرا، في الوقت الذي شهدت فيه صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب تخارجا لرؤوس الأموال، في إشارة إلى تحول اهتمامات بعض المستثمرين من المعدن إلى العملة المشفرة.- على نفس الصعيد، شهد عدد العقود المستقبلية والخيارات المفتوحة في بورصة شيكاغو ارتفاعا بثلاثة أمثال المسجل في نفس الفترة قبل عام.- يتوقع الملياردير مايك نوفوغراتز أن يصل سعر عملة بتكوين لنحو 65 ألف دولار بسبب الطلب المتزايد والمعروض الضعيف من العملة.- من وجهة بعض الخبراء، يبدو مصير بتكوين مختلفا عن 2018، الذي شهد انهيار الفقاعة وهبوط السعر من 20 ألف دولار لنحو 3200 دولار في غضون بضعة أشهر.- الهبوط الذي عانته العملة المشفرة قبل أكثر من عامين جاء بفعل تخارج المستثمرين الأفراد الذين شكلوا السبب الأكبر وراء الصعود آنذاك، لكن الظاهر حالياً أن بعض المؤسسات تبنت حيازة بتكوين، ما يجعل احتمالات حدوث موجة بيعية مدفوعة بالذعر أمراً غير مرجح.الشكوك لم تنته
- لكن على الجانب الآخر، يرى المنتقدون لهذا النوع من الأصول أن بتكوين تُستخدم بشكل كبير في أنشطة غير قانونية تشمل غسل الأموال والتجارة غير المشروعة، ما يجعلها خطراً على الدول.- يعتقد محللون أن العملات المشفرة قد تتعرض لتنظيم حكومي خلال الفترة المقبلة، خصوصا مع الاهتمام المتزايد من قبل بعض البنوك المركزية مثل المركزي الأوروبي، وبنك الشعب الصيني، وغيرهما بطرح محتمل لعملات رقمية خاصة.- بعد تجاوز بتكوين حاجز 17 ألف دولار هذا الأسبوع، خرج راي داليو، مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم «بريدج ووتر أسوشيتس» ليبدي تعجبه من الصعود الحاد ومكرراً مخاوفه حيال العملة.- يرى داليو أن مشكلته في اعتبار بتكوين عملة فعالة تتمثل في أنها ليست مخزنا جيدا للقيمة والاحتفاظ بالثروات، لأنها متقلبة بشكل كبير، ولا تمتلك ارتباطا قويا بأسعار السلع المرغوب في شرائها، وبالتالي لا تحمي القوة الشرائية للمستهلكين.- تمتلك العملات السيادية ثلاث وظائف أساسية هي: مخزن للثروة، ووسيلة للتبادل، ومقياس للقيمة، وهو ما لا تقدمه العملة المشفرة التي يُعرف عنها التقلبات الحادة والسريعة وقلة إمكانية استخدامها في عمليات التبادل اليومية.- جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك «جيه بي مورغان» كان له رأي معارض أيضاً للعملة المشفرة، التي وصفها بأنها غير ملائمة له، بعد انتقادات شهيرة طوال سنوات تتهمها بـ»الاحتيال والفقاعة الفاشلة».- لا أتخيل أن يقوم بنك مركزي أو مؤسسات استثمارية بشراء بتكوين، بعكس الذهب مثلا والذي يمثل ثالث أعلى الأصول التي تمتلكها البنوك المركزية حول العالم، هكذا يبرر «ديمون» موقفه الرافض للعملة المشفرة.- بالنسبة للكثيرين، لا تمثل بتكوين وغيرها من العملات المشفرة سوى وسيلة لتحقيق ثروات بشكل سريع وسهل عبر شرائها، ثم السعي لبيعها لآخرين لاحقا مقابل سعر أعلى.- لكن ما يُطلق عليه «رحلة البحث عن الأحمق الأكبر»، الذي سيشتري الأصل المالي بمقابل أعلى قد تنتهي في بعض الحالات باكتشاف أن الحائز الحالي له هو آخر طرف في السلسلة، ما يعني أن الفقاعة وصلت إلى مرحلة النهاية.الحيتان يسيطرون على 95% من أصول العملة المشفرة
مع الصعود الجنوني لسعر العملة المشفرة (بتكوين)، خلال الأسابيع القليلة الماضية، تطفو على السطح تساؤلات مهمة حول من يقف وراء موجة الصعود القياسية التي أثارت استغراب الأسواق مع ارتفاع قياسي بلغ نحو 60 في المئة في أقل من شهر.ورغم وجود نظريات عدة حول أسباب الصعود القياسي تتبناها المؤسسات والأفراد حيال صعود العملة المشفرة، فإن هناك حقيقة واحدة أنه لا يوجد الكثير من المعلومات حول هيكل ملكية البيتكوين.ويشير تقرير لوكالة «بلومبرغ» إلى أن عددا قليلا من حائزي العملة المشفرة الشهيرة يعرفون باسم «الحيتان» يمتلكون السواد الأعظم من أصول «بتكوين»، إذ يشير بحث أجرته شركة «فيليب سايد كريبتو» إلى أن نحو 2 في المئة من المالكين المجهولين، والذين يمكن تعقبهم في السلاسل الخاصة بالعملات المشفرة يمتلكون نحو 95 في المئة من إجمالي أصول «بتكوين».