في وقت يشتد الصراع الإثيوبي الداخلي الدائر بين حكومة آبي أحمد الاتحادية، وسلطات إقليم تيغراي، ويكتسي بصبغة عرقية تهدد استقرار منطقة شرق إفريقيا الهش، فشل الاجتماع السداسي بين مصر والسودان وإثيوبيا على مستوى وزراء الخارجية والري، والذي عقد في الخرطوم، أمس، في تحقيق أي تقدم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.وجاء إخفاق الاجتماع الذي تم بناء على دعوة من وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ليكرس بذلك الفجوة المتزايدة بين أطراف الأزمة.
ولا تزال مسائل جوهرية محل خلاف بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، ما يؤدي عادة لفشل سريع لأي محاولة لاستعادة مسار المفاوضات المتعثرة.وأعلن وزير الري السوداني، أمس، رفض الخرطوم طلباً تقدم به الاتحاد الإفريقي الذي يلعب دور الوسيط، من أجل تمديد المشاورات 10 أيام.وأكد الوزير ياسر عباس "عدم مواصلة التفاوض وفق المنهج السابق، وطالب بالعودة للاتحاد الإفريقي لاعتماد دور الخبراء، ودفع المفاوضات سياسياً لاستكمالها، وصولاً إلى اتفاق مرضٍ لكل الأطراف".وشدد على أن السودان تقدم في وقت سابق بمقترح لتغيير منهج التفاوض من أجل التوصل لنتائج بشأن حل الخلاف، مشددا على أن الاتحاد الإفريقي يمكنه لعب دور أكثر تأثيرا كوسيط. وجاء فشل الاجتماع الإجرائي أمس بعد 3 ساعات فقط من عقده. ومطلع نوفمبر الحالي فشل الاتحاد الإفريقي في محاولة سابقة لتحريك مسار التفاوض المتوقف بسبب الرغبة الإثيوبية في توقيع اتفاقية غير ملزمة، وهو ما ترفضه مصر والسودان، وتطالب الخرطوم بمسار إلزامي محدد بوقت مع إعطاء دور أكبر للمراقبين.وقالت مصادر مصرية لـ"الجريدة"، إن الجانب السوداني اقترح إعطاء دور أكبر للمراقبين والوسطاء، لكن لم يقدم الجانب الإثيوبي أي مبادرة تكشف عن تغير في مواقف أديس أبابا.وتأتي تلك التطورات على وقع مناورات جوية غير مسبوقة أطلق عليها "نسور النيل" بين مصر والسودان في قاعدة مروي، وبمشاركة عناصر من قوات الصاعقة في البلدين، إضافة إلى مناورات عسكرية واسعة تنفذها القاهرة في نطاق المنطقة الجنوبية العسكرية.وتزامن النشاط العسكري السوادني مع إعلان موسكو الاثنين الماضي نيتها توقيع اتفاق مع الخرطوم، بشأن إنشاء مركز إمداد بحري متطور يشمل استقبال قطع نووية على ساحل البحر الأحمر.
صراع تيغراي
إلى ذلك، اتهمت الحكومة الإثيوبية قوات "جبهة تحرير شعب تيغراي" بارتكاب "جرائم خطيرة"، مع اتمام الصراع أسبوعه الثاني أمس.وأشار بيان صادر عن الحكومة، أمس، إلى تقارير دولية عن عمليات قتل قامت بها قوات موالية لـ"جبهة تحرير شعب تيغراي" بحق عشرات وربما مئات من المدنيين بعضهم من العرقية الأمهرية، ثاني أكبر عرقية بالبلاد بعد الأورومو، في بلدة مايكادرا.ويشير بيان أديس أبابا، الذي جاء غداة إصدار مذكرات توقيف بحق 76 من ضباط الجيش الاتحادي قالت الحكومة إنهم ينفذون "أجندة جبهة تيغراي"، إلى انزلاق البلاد نحو المزيد من التوتر الذي يهدد بإشعال حرب أهلية بين عدة عرقيات.في موازاة ذلك، اتّهم قائد الجيش الإثيوبي برهان غولا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، أبرز الشخصيات العالمية المتحدرة من تيغراي، بالضغط لمصلحة الإقليم ومساعدة سلطاته في الحصول على الأسلحة.وقال قائد الجيش الاتحادي، في مؤتمر، إن المدير العام للهيئة الأممية "عمل في دول مجاورة لإدانة الحرب. وعمل لمصلحتهم للحصول على الأسلحة". وزعم أن تيدروس "لم يوفر جهداً لمساعدة جبهة تحرير شعب تيغراي"، الحزب الذي يقول رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد إنه يستهدفه في حملته العسكرية على المنطقة. وأضاف برهان: "ماذا تتوقعون منه؟ لا نتوقع منه أن يقف إلى جانب الشعب الإثيوبي ويدين أعضاء الجبهة، إنه واحد منهم"، في إشارة إلى عمل غيبرييسوس، كوزير صحة بعهد الحكومة التي هيمنت عليها "جبهة تيغراي" قبل تولي آبي أحمد السلطة عام 2018.وفي وقت سابق، أفادت مصادر بأن القوات الإثيوبية الموجودة في الصومال ضمن مهمة حفظ سلام إفريقية قامت بتجريد نحو 300 جندي من عرقية تيغراي من السلاح بسبب شكوك في ولائهم.في غضون ذلك، قال دبلوماسي يتابع الصراع إن القوات الاتحادية تحاول التقدم على طرق رئيسية من الجنوب إلى الشمال الغربي من ميكيلي، وأصبحت على بعد 200 كيلومتر تقريبا عن عاصمة تيغراي.من جهته، نفى رئيس الإقليم المتمرد دبرصيون غبرميكائيل، الذي يرأس "جبهة تحرير تيغراي"، أمس، سقوط مدينة أكسوم ذات الأهمية الدينية والتاريخية الكبيرة في البلاد.وقال غبرميكائيل: "شاير سقطت قبل ثلاثة أيام لكن أكسوم معنا. تم إرسال جيش للسيطرة على أكسوم لكن القتال دائر".من جهة أخرى، تواصل إجلاء الأجانب من تيغراي، وأعلنت القاهرة إجلاء 9 من مواطنيها، فيما أفادت أنقرة بإجلاء مواطنيها العالقين بالإقليم المتاخم لإريتريا والسودان.بدروها، أعربت الأمم المتحدة خشيتها من تفشي فيروس كورونا القاتل، بين لاجئي إقليم تيغراي إلى السودان، فيما أفادت تقارير بارتفاع عدد اللاجئين إلى نحو 40 ألفاً.