بين عمق المشيمة وطمس المشيئة
تحمل الأنثى تسعة شهور وهناً على وهن، ثم يأتي اليوم الذي تدفع فيه جزءاً من روحها ممثلة بالدم والعرق والدموع مقابل أن يخرج طفلها للحياة، يخرج وهو لايزال متمسكا متشبثا بها حتى يأتي مقص الطبيب ويقطع الحبل الذي يربطه بالمشيمة، في تلك اللحظة بالضبط، الذي ينفصل طفلها عن المشيمة تُطمس المشيئة! تفقد المرأة برسم القانون كل قرار أو اختيار يخص هذا الطفل ومن سيأتي بعده!فالمرأة بعد ذلك القطع لا يحق لها تسمية الطفل قانونيا، ولن يؤخذ بوجودها أو رغبتها أو مشيئتها في هذا القرار المقتصر على الرجل، كما أنها ليست المخولة باستخراج شهادة الميلاد وجواز السفر أو التقديم على البطاقة المدنية، وجود الطفل الفعلي على قيد الحياة مقرون بالمرأة، ووجوده القانوني مقرون بالرجل وليس لها أي دخل أو تدخل فيه.
يكبر الطفل ليأتي طمس المشيئة اللاحق للولادة والتسمية والأوراق، في القرارات الصحية وكل ما يتعلق بالعمليات الجراحية والتخدير، الأم التي عادة ما تكون لصيقة بالطفل، عالمة بتفاصيل حالته الصحية كلها، الساهرة على راحته لم يكن يعتد بقرارها الصحي بشأنه قبل ثلاثة شهور من اليوم! حتى القرارات التعليمية، اختيار المدرسة، التسجيل وسحب الأوراق والنقل بين مدرسة وأخرى لا تفصل فيها الأم ولا يعتد بمشيئتها على الإطلاق، بل يجب وجود الأب شخصيا لكي يقوم بما تريده الأم! الولاية المالية موضوع آخر يكاد لا يصدقه عقل، حيث تفتح الأم حسابات مصرفية بأسماء أطفالها، تودع فيها مبلغا من المال من حر مالها أو ربما تودع استقطاعا شهريا موثقا من راتبها، بعض البنوك تعطيها حرية التصرف في الأموال وبعض البنوك تسمح فقط بالإيداع وتمنعها من السحب، ولكن للأب الذي ربما لا يعلم أصلا بوجود هذه الحسابات، ولم يساهم في إعمارها أو إكثارها، كامل الحرية في التصرف بالأموال المودعة، وإن جرى سحب نقدي على هذه الحسابات وفاز الطفل بجائزة مالية لا يحق للأم التصرف بها، بل يتصرف بها الأب ويأخذها دون رقابة أو سؤال. هذه الرابطة المقدسة بين الأبناء والأمهات التي يدعمها الدين ويباركها المجتمع وتعوّل عليها الأعراف والتقاليد، من الغريب أن تنتفي بالقانون وتهمش مشيئة المرأة تماما واختياراتها وقراراتها في كل ما يتعلق بأبنائها، بل تكون المسؤولية كاملة على الرجل مما يزيد الضغوط الحكومية عليه ويجعله في مدار الإجراءات والبيروقراطية وحيدا دون شريك ومعين! كيف استساغ المشرع ترجيح كفة قطب دون الآخر، بل التهميش الكامل لأحد العمودين اللذين تقوم عليهما المنظومة الأسرية؟ وكيف سكتت المرأة كل هذه السنين على هذا الإقصاء مما أدّى لمعاناة الكثيرات من جرّاء تعسف وتعنت واستغلال بعض الرجال لهذا التمييز؟