«نادي القصة»... تاريخ من الإبداع على شفا الإغلاق!
الورثة يطالبون باسترداد المقر... والقضاء المصري ينطق بالحكم النهائي في يناير
يواجه نادي القصة في مصر شبح الإغلاق، بعد صدور حكم قضائي في فبراير الماضي، بإخلاء مقره الواقع في ضاحية "غاردن سيتي" بالقاهرة.
ليس هناك أصعب من أن يفقد المبدع بيته، هذا بالضبط ملخص الأزمة التي يشهدها حالياً مئات الأدباء في مصر، بعدما أضحى "نادي القصة" في القاهرة قاب قوسين من إغلاق أبوابه أمامهم، فلم يبق سوى شهرين على النطق بحكمٍ في يناير المقبل، قد يقضي بإخلاء مقر النادي التاريخي وإعادته إلى ورثته. يواجه نادي القصة في مصر شبح الإغلاق منذ بدايات العام الحالي، حين صدر حكم قضائي في فبراير الماضي، بإخلاء مقره الواقع في ضاحية جاردن سيتي بالقاهرة، ليصبح المكان الذي واظب لعقود على احتضان ندوات المثقفين ولقاءاتهم الفكرية على شفا حكم مرتقب في يناير المقبل ربما ينتزع المقر لمصلحة ورثته، ويخلي محتوياته ويطوي للأبد صفحة مهمة من تاريخ كبار الأدباء المصريين والعرب.وكانت محكمة استئناف القاهرة قد أصدرت الأسبوع الماضي، حكماً بحجز دعوى ورثة السياسي المصري الراحل فؤاد سراج الدين، لإخلاء شقتين تستخدمان مقرا لنادي القصة في منطقة قصر العيني، وسط العاصمة المصرية، للحكم في 1 يناير 2021، بعد صدور حكم ابتدائي من محكمة جنوب القاهرة بإخلاء مقر النادي لمصلحة الورثة.
ولا تكمن أهمية النادي في كونه ملاذا للمثقفين والأدباء المصريين في الوقت الراهن فقط، بل أيضاً لأنه ضم منذ تأسيسه عدداً كبيراً من الأدباء أمثال نجيب محفوظ، وطه حسين، وإحسان عبدالقدوس، ويحيى حقي، ومصطفى محمود، ومحمد تيمور، وأمين يوسف غراب، وعبدالحميد جودة السحار، وثروت أباظة، ومحمد فريد أبوحديد، وعلي أحمد باكثير، وسهير القلماوي.ويعود تاريخ تأسيس النادي إلى عام 1954، وتعاقبت على رئاسته قامات كبيرة، من بينهم طه حسين وتوفيق الحكيم، ويعارض الأدباء في مصر إغلاقه، نظراً لدوره الفاعل في إثراء الحركة الأدبية والفكرية، بخلاف القيمة الرمزية للمكان التنويري الذي اجتمع فيه كبار أدباء ومثقفي مصر تاريخياً. التصريحات التي سبق أن أدلى بها رئيس النادي، الكاتب نبيل عبدالحميد، في بداية الأزمة، عكست حزنه الشديد على الوضع الذي يتهدد النادي العريق، ووقتها أكد أن الأمر بحاجة إلى وقفة جادة بقدر الإمكان لعدم الموافقة على إغلاق ما وصفه بـ "المقر الثقافي التاريخي"، لافتاً إلى أن النادي ظل طوال عمره منارة ثقافية تعتني بالفكر.وقبل أيام عاد عبدالحميد ليؤكد مجددا أن وجود نادي القصة مهم، وأن المحكمة إذا قررت إخلاء المقر لن يتوقف نشاط النادي، وأضاف: "سنظل نعمل ولو حتى على الرصيف"! ولفت إلى نقطة مهمة، وهي أن "الشقة (مقر النادي) أجرّها الأديب الراحل يوسف السباعي قبل 60 عاماً وبحسب صيغة عقد الإيجار، فإن الشقة ستمارس نشاطاً يحقق منفعة عامة وليس مخصصاً لمصلحة خاصة".يشار إلى أن الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس هو صاحب فكرة إنشاء "نادي القصة" عام 1950، وعرض فكرته على الكاتب الراحل يوسف السباعي - صاحب الفضل في تأسيسه فعلياً -، بحيث "يستقطب النادي فرسان هذا الفن الجميل الآخذ بالازدهار في أنحاء مصر، ومن مجمل أنشطته إصدار كتاب دوري شهرياً، على أن يكون رواية من أعمال أحد الأعضاء".أما أول مقر للنادي فكان في غرفة بمجلة الفن، ثم جرى استئجار جزء من شقة المخرج جمال مدكور في ميدان التحرير بوسط القاهرة، قبل أن يقرر مجلس إدارة النادي البحث عن مقر بمساحة أكبر لاستيعاب الأنشطة وعدد الرواد، واستقروا على عمارة فؤاد سراج الدين في 68 شارع قصر العيني، وأبدى مالك العقار ترحيبه بتأجير شقتين لنادي القصة، ووُقِع عقد الإيجار بين المالك فؤاد سراج الدين ويوسف السباعي وكيلاً عن مجلس إدارة نادي القصة. ووقّع السباعي عقد الإيجار عام 1960، وظل النادي لـ6 عقود منارة ثقافية في العالم العربي، لكنّه خلال السنوات الأخيرة تعرّض لأزمات مالية، نتيجة تأثر موارده بعد تقليص دعم وزارة الثقافة له منذ عام 2011، حيث أوقِف مبلغ الإعانة السنوية التي كانت تغطي نشاطات النادي، وبدأ الاعتماد في النفقات على الدعم المادي من أعضاء النادي.ورغم محاولات مجلس إدارة النادي مناشدة الجهات الحكومية، والتفاوض مع الورثة لزيادة القيمة الإيجارية بقدر يمكن للنادي تحمّله، أصر الورثة على طلب مبالغ لا يستطيع القائمون على النادي توفيرها، ليصل الأمر إلى ساحات القضاء، وتقضي محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بالحكم لمصلحة ورثة فؤاد سراج الدين، حيث مُنِح "نادي القصة" مهلة شهراً لطرد أعضائه وإخلاء المقر. وينتظر النادي الحكم النهائي بدعوى الإخلاء في يناير المقبل.