«حرب تيغراي»... صراع حول اقتصاد إثيوبيا
تبدو الأزمة التي تعيشها إثيوبيا حالياً صراعاً سياسياً، على خلفية الحكم الذاتي لمنطقة تيغراي، لكن الواقع أن النزاع بين أديس أبابا وهذا الإقليم الشمالي أعمق بكثير مما يبدو عليه. وبحسب تحليل لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية، فإن الصراع يتمحور في الأساس حول الموارد الاقتصادية في المقام الأول، ثم النفوذ السياسي في البلاد كله.وتشير المجلة إلى أن الحملة العسكرية التي شنها رئيس الوزراء أبي أحمد على تيغراي بهدف معلن، هو إطاحة «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» الحزب الحاكم فيها، الذي هيمن على مقاليد السياسة الوطنية بالبلاد لما يقرب من 3 عقود، هي تطور كبير، مضيفة أن رئيس الوزراء الإثيوبي «يحارب النظام القديم في البلاد الذي يسعى إلى استعادة النفوذ الاقتصادي والسياسي الذي كان يتمتع به».ويعتبر محللون من خارج إثيوبيا، أن جذور الخلاف بين المنطقة والحكومة الفدرالية تعود إلى دستورية قرار البرلمان تأجيل الانتخابات المحلية والوطنية، بسب فيروس كورونا. فقد أجرى قادة «تيغراي» الذي يبلغ عدد سكانه نحو 5 ملايين نسمة، ويتمتع بحكم شبه ذاتي، الانتخابات المحلية في تحد للحكومة المركزية في أديس أبابا، وفازت «الجبهة» التي يقودها جبرا ميكائيل بجميع المقاعد، ورد البرلمان الفدرالي باعتبار النتائج ملغاة وباطلة.
لكن آخرين يرون أن الاختلافات الأيديولوجية السائدة بين أحمد و«جبهة التحرير» هي المصدر الرئيسي للخلاف، غير أن هذه الأمور لا تفسر تحول الخلافات إلى مواجهة عسكرية، بحسب «فورين بوليسي».وتقول المجلة الأميركية إن «الحرب في النهاية هي على اقتصاد إثيوبيا ومواردها الطبيعية، ومليارات الدولارات التي تتلقاها البلاد سنوياً من المانحين والمقرضين الدوليين».وإدارة هذه الأمور من صلاحيات الحكومة المركزية، التي سيطرت عليها «الجبهة الشعبية» نحو 3 عقود، قبل أن يتولى أحمد رئاسة الحكومة في أبريل 2018، بعد احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة.وبعبارة أخرى، هذا ليس صراعا حول من سيحكم تيغراي، فهي منطقة صغيرة ولا يمثل سكانها سوى 6 في المئة من إجمالي سكان إثيوبيا البالغ عددهم 110 ملايين نسمة»، حسب المجلة التي قالت إن أحمد «يصر على استعادة السيطرة الاقتصادية على البلاد بأي ثمن كان». وهيمنت «الجبهة الشعبية» على البلاد، بعد أن أطاحت الحكومة العسكرية التي كان يتولاها هايلي مريام ديسالين عام 1991. خلال هذه السنوات، كانت تسيطر على كل المناصب السياسية والعسكرية والاستخبارية.وأدت هذه القوة إلى هيمنة اقتصادية، حيث تمكن قادة الجبهة من السيطرة الكاملة على اقتصاد البلاد ومواردها الطبيعية. وفي السنوات الأخيرة من حكمها، تلقت إثيوبيا ما معدله 3.5 مليارات دولار من المساعدات الخارجية سنوياً ومبالغ كبيرة من القروض من الدائنين في القطاع الخاص والحكومات خصوصا من الصين، التي وصلت إلى 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عندما تولى أحمد السلطة.فضلا عن ذلك، فإن الدستور الذي أدخلته الحكومة بقيادة «جبهة التحرير» عام 1994، سمح فقط بالملكية العامة للأرض، مما أعطى المسؤولين الحكوميين حق الوصول غير المقيد إلى موارد الأراضي الوفيرة في الأجزاء الجنوبية من البلاد، فعملوا على تأجير هذه الأراضي للمستثمرين الأجانب والمحليين بعقود طويلة الأجل، ما أدى إلى مراكمتهم مليارات الدولارات في هذه العملية.وقالت تقارير إنه بحلول عام 2011، تم تأجير 3.6 ملايين هكتار من أراضي إثيوبيا لمستثمرين أجانب، وهي مساحة تعادل مساحة هولندا، وكانت الجهة المستفيدة: «جبهة تيغراي».ولم يتوقف الأمر على ذلك، فقد سيطرت الجبهة على قطاعات الاقتصاد من خلال الشركات التابعة لتكتلها الضخم، «صندوق الهبات لإعادة تأهيل تيغراي». ومنذ وصوله إلى السلطة، هددت حكومته الهيمنة الاقتصادية الطويلة للجبهة، إذ بذل جهودا جبارة من أجل تحجيمها، فعمل على خصخصة الشركات التي تسيطر عليها، إلى جانب إجراء تعديلات حكومية هدفت إلى السيطرة على الأموال الموجودة خارج النظام المالي التي يحتفظ بها المسؤولون الحكوميون.وأدت إصلاحات أحمد إلى تقليص نفوذ الجبهة في القطاع الأمني، خصوصاً بعد إقالة رئيس جهاز الأمن جيتاشيو أسيفا، الذي يوصف بـ«الرجل المخيف».وتخلص «فورين بوليسي» إلى أن الصراع الحالي لا يدور حول من سيحكم الإقليم الشمالي، بل حول الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي يقوم بها أحمد بلا هوادة.