سينشغل الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن حين يتسلم منصبه بمحاولة استرجاع هيبة بلده بعد تضررها نتيجة السياسات الخارجية التي تجاهلت المعايير الدبلوماسية واستُبدِلت بصفقات ارتكزت على المصالح الشخصية وفشلت في استعادة العظمة الأميركية.خلال عهد دونالد ترامب المتمرد، اقتصرت الرؤية المرتبطة بجنوب شرق آسيا على الصين، مما سمح للدول الاستبدادية الأصغر حجماً، مثل كمبوديا، بالتصرف على هواها.
لكن لاحظ بايدن ما يحصل سريعاً وأصرّ على ضرورة أن تتعاون الولايات المتحدة مع الأنظمة الديمقراطية الأخرى وتشكّل جبهة موحدة في سياسة التجارة العالمية لمجابهة الصين، فقال: "لا أعتبر مهاجمة الأصدقاء مقابل احتضان الحكام المستبدين فكرة منطقية بأي شكل. يجب أن نصطف مع الديمقراطيات الأخرى كي نتمكن من تعديل القواعد المعمول بها بدل السماح للصين وأطراف أخرى بفرض النتائج علينا لمجرد أنها الخيار الوحيد المتاح أمامنا".في حين راح ترامب يتجاهل قمم "رابطة أمم جنوب شرق آسيا" ويتردد في مواقفه، خسرت زعيمة ميانمار أونغ سان سو كي دعم جنرالات الجيش في بلدها بعد اتهامها بالتحريض على ارتكاب إبادة جماعية، وفي غضون ذلك فرضت بروناي حُكم الشريعة الإسلامية.على صعيد آخر، أحكم الجيش قبضته على تايلند عبر انتخابات اعتُبرت مزورة وأطلقت الفلبين حرباً على المخدرات أسفرت عن مقتل أكثر من 8 آلاف شخص. في الوقت نفسه، أصبحت كمبوديا دولة حزب واحد بحكم الواقع وباتت الآن جزءاً من المحور الصيني على غرار لاوس.لن تصل الرسالة الأميركية إلى هذه الدول بسهولة، لا سيما في عاصمة كمبوديا "بنوم بنه"، حيث تعرّض كبار الشخصيات للعقوبات بسبب علاقتهم مع الشركات الصينية لأن الولايات المتحدة تخشى أن تعيد هذه الروابط رسم المشهد السياسي في المنطقة عبر تطوير البنى التحتية وتزويدها بقدرات عسكرية.دائماً كان موقع البلد الاستراتيجي بين القوى الإقليمية والعالمية نقطة قوة كمبوديا ونقطة ضعفها في آن.هكذا كان الوضع في السنوات الأخيرة، فقد عمدت الصين إلى شراء النفوذ هناك واخترقت موانئ كمبوديا، وفي الوقت نفسه، حاول رئيس الوزراء هون سين التقرب من ترامب لكنه لم ينجح، وزادت صعوبة هذه المساعي مع انتشار ادعاءات لا أساس لها حول حصول تدخّل خارجي في شؤون كمبوديا.سرعان ما سئم هون سين من أعمال العنف والاحتجاجات المميتة أحياناً وإصرار "حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي" على رفض نتائج انتخابات 2013، فأطلق حملة قمعية وبرر التُهَم الموجهة ضده على اعتبار أن ذلك الحزب كان يخطط لإطلاق "ثورة ملوّنة" بدعمٍ من الولايات المتحدة.في أواخر 2017، أصدرت المحاكم قراراً يقضي بِحَلّ "حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي"، ثم غادر الصحافيون والمنظمات غير الحكومية والسياسيون المعارضون ومناصروهم وعدد كبير من الشركات الغربية مقابل وصول أعداد هائلة من المستثمرين والعاملين الصينيين. ثم فاز "حزب الشعب الكمبودي" الذي يحكم البلد منذ وقتٍ طويل بجميع المقاعد في انتخابات 2018.خلال هذه السنة وحدها، اعتُقِل أكثر من 200 ناقد ومناصر للمعارضة، وتشير التطورات الأخيرة إلى تراجع القناعة الدبلوماسية حول رغبة البلد في تقوية علاقاته مع الولايات المتحدة. هذا الأسبوع، اتُهِمت ثياري سينغ، محامية كمبودية أميركية صريحة وناقدة لاذعة للسلطة، بالخيانة.تنضم سينغ بذلك إلى لائحتَين من 55 شخصاً سيمثلون أمام المحكمة في وقتٍ لاحق من هذا الشهر ويواجهون احتمال سجنهم طوال 12 سنة بتهمة التآمر والخيانة والتحريض على ارتكاب الجنايات، لكن لم يغفل الجميع عن هذه الاعتقالات الأخيرة.بين ليلة وضحاها، دعا مشرّعون أميركيون من أمثال الديمقراطية البارزة إليزابيث وارين وزير الخارجية المنتهية ولايته مايك بومبيو إلى فرض عقوبات مستهدفة ضد كبار القادة في "حزب الشعب الكمبودي" بسبب قمعهم لأحزاب المعارضة.قال هؤلاء المشرّعون إن هون سين "لديه سجل حافل بالعنف والترهيب والرقابة والفساد للتمسك بالسلطة" وأضافوا: "هو نظّم انتخابات عدة ولم يكن أيٌّ منها حراً ونزيهاً ولطالما فاز بها حزب الشعب الكمبودي".تكثر الخطوات التي تتمناها كمبوديا من واشنطن، منها إلغاء الديون المتراكمة منذ حقبة الحرب، وتقديم مساعدات خارجية، ورفع العقوبات، وتأمين الأسواق، وعقد اتفاقيات تجارية (تجاهل ترامب هذه المطالب لكن التفت إليها بايدن مجدداً). أخيراً، تطالب كمبوديا الولايات المتحدة ببعض الاحترام!* لوك هانت*
مقالات
جو بايدن وعرضه الجانبي في كمبوديا
24-11-2020