هل تقف الاستخبارات البريطانية وراء الحرب الثانية في ناغورني كاراباخ؟
وفق الصحافة الروسية والأرمنية، يبدو أن المملكة المتحدة بدأت تستأنف "اللعبة الكبرى"، في إشارةٍ إلى التنافس الاستعماري الذي طبع القرن التاسع عشر مع روسيا في منطقة أوراسيا، حيث كتب موقع التحليل الاستراتيجي الروسي "فوند ستراتيجيتشيسكو كولتوري" العنوان التالي: "بريطانيا العظمى تطلق اللعبة الكبرى من جديد"! كذلك، تتداول الصحافة الروسية والأرمنية منذ يوليو 2020 اسم ريتشارد مور (57 عاماً): إنه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية البريطانية، يحمل شهادة من جامعة "أكسفورد"، وهو دبلوماسي مخضرم، وسفير سابق في تركيا (بين 2014 و2017)، وصديق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منذ ثلاثين سنة. هو يجيد اللغة التركية بطلاقة ويعادي روسيا بكل وضوح، وكتب الموقع الروسي أنه "شخصية بالغة الخطورة".تصرّ الصحيفة الأرمنية "زام" من جهتها على ضرورة الكشف علناً عن "المعنى الحقيقي لنشاطات المنظمات التي تموّلها لندن في أرمينيا"، وهذا العنوان يُذكّرنا بأن بريطانيا كانت الدولة الوحيدة التي عارضت قرار وقف إطلاق النار في "ناغورني كاراباخ" في مجلس الأمن بتاريخ 5 نوفمبر.تعليقاً على الموضوع، كتبت الخبيرة الروسية في شؤون الشرق كارينا غيفورجيان في الصحيفة الأرمنية "نوفوستينك": "بريطانيا هي من بين المحرّضين على الحرب الثانية في كاراباخ". كانت باكو هي التي أطلقت الأعمال العدائية بين أذربيجان و"ناغورني كاراباخ" في 27 سبتمبر الماضي، ومع ذلك كتب الموقع الأذربيجاني "ميديا" بأسلوب احتفالي أن البرلمان البريطاني تبنّى في شهر أكتوبر قراراً يدين فيه "العدائية الأرمنية".
بدأت منطقة "كاراباخ" الموالية لروسيا منذ قرنَين تثير ارتباك البريطانيين منذ فترة طويلة، وتقول غيفورجيان إن "روسيا تمكنت من توسيع نفوذها في منطقة القوقاز كلها ثم تركستان بدءاً من تحرير "كاراباخ" من النير الفارسي ووضعها تحت جناح الإمبراطورية الروسية في عام 1805"، مما أدى إلى إعاقة التوسّع الاستعماري البريطاني في آسيا، وتضيف غيفورجيان: "قد تعتبر لندن تركيا العثمانية الجديدة منصة لزعزعة استقرار جنوب القوقاز وهزم روسيا".في السياق نفسه، كتب الموقع الروسي "فوند ستراتيجيتشيسكو كولتوري": "يبدو أن لندن حوّلت تركيا إلى "كبش محرقة" لتحقيق أهدافها ويشعر إردوغان بأعلى درجات الرضا لأن بريطانيا العظمى تدعم مشروعه". تكلم رئيس الوزراء الأرمني السابق غرانت باغراتيان بصراحة فائقة عن هذا الموضوع، فقال للموقع الروسي: "ما يحصل في "ناغورني كاراباخ" هو عبارة عن عملية من تخطيط الأجهزة البريطانية الخاصة وريتشارد مور، الصديق الشخصي للأمير تشارلز".لكنّ الأمير تشارلز لديه صديق مقرّب آخر، وهو رئيس أرمينيا والمواطن البريطاني أرمين سركيسيان. وصل سركيسيان إلى سدة الرئاسة في أبريل 2018. قد يكون دوره فخرياً في إدارة البلد لأن أرمينيا أصبحت جمهورية برلمانية منذ 2018، لكن يمكن اعتباره أول مؤشر تحذيري على انطلاق "الثورة الملونة" التي حظيت بتمويل الملياردير الأميركي جورج سوروس، وسرعان ما أوصل الشارع نيكول باشينيان المعارِض لروسيا إلى رأس الدولة الأرمنية.مع ذلك، وقّع باشينيان الاتفاق الثلاثي لوقف إطلاق النار تحت رعاية موسكو في 10 نوفمبر. بعبارة أخرى، لم يكن باشينيان خاضعاً لسيطرة غربية كاملة ثم اتخذ في اللحظة الأخيرة قراراً غير متوقع يصبّ في مصلحة مور وإردوغان، ولم يكن مفاجئاً أن يصل مور إلى أنقرة بعد يومين على توقيع الاتفاق الثلاثي، فقد حضر هذا الأخير إلى تركيا رسمياً لمقابلة المتحدث باسم إردوغان، إبراهيم كالين، لكن يذكر الموقع الإخباري الروسي "ريغنوم" أن تلك المعلومة كانت خاطئة وهي جزء من الحملة الدعائية التركية لإخفاء مجيء مور إلى تركيا لمقابلة إردوغان شخصياً.على صعيد آخر، يتابع موقع "فوند ستراتيجيتشيسكو كولتوري" تحليله قائلاً: "كان التحالف التركي البريطاني يهدف في الأساس إلى حل "مسألة كاراباخ العالقة" نهائياً والتمركز على حدود أرمينيا للاقتراب لأقصى حد من منطقة النفوذ الروسية في القوقاز".لكن يبدو أن الوضع تغيّر في اللحظة الأخيرة، فدخل الجنود الروس إلى "ناغورني كاراباخ". نتيجةً لذلك، كتب موقع "فوند ستراتيجيتشيسكو كولتوري" أن "نجاح الاستراتيجية البريطانية يبقى محدوداً: تتمركز القوات العسكرية الروسية في "ناغورني كاراباخ" الآن ومن دون أبسط إشراف من مراقبين أو قوات حفظ سلام تركية". هكذا أصبحت فاعلية الاستراتيجية المبنية على الاستفادة من تركيا موضع شك.أخيراً، تكتب الصحيفة الأرمنية "نوفوستينك" التحليل التالي: "إردوغان لا يعترف إلا بحق واحد، وهو حق استعمال القوة. وهو قوي أصلاً لأنه يتكل على دعم ضمني لكن فاعل من بريطانيا العظمى". لكن هل يمكن اعتبار ذلك الدعم فاعلاً حقاً؟ في مقابلة مع الصحيفة الإلكترونية الروسية "برافدا"، اعتبر الخبير الروسي في الشؤون التركية ستانيسلاف تاراسوف أن التحالف البريطاني التركي خسر اللعبة فقال: "لقد فشل تدخّلهما في جنوب القوقاز بكل وضوح".