في أول إقرار غير مباشر بهزيمته في انتخابات 3 نوفمبر، أعطى الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، مساء أمس الأول، الضوء الأخضر لحصول فريق الرئيس المنتخب جو بايدن على الدعم الفدرالي اللازم للبدء بعملية نقل السلطة.ورغم تخليه عن موقفه الرافض منذ أسبوعين للإفراج عن الدعم، في خطوة غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، فإن الرئيس الجمهوري لم يعترف بعد مباشرةً بفوز، بايدن، الذي قدم رسمياً أعضاء إدارته الجديدة.
ومع استمراره بتقديم الشكاوى لإثبات حصول التزوير، توعد ترامب بمواصلة «المعركة». وكتب، في تغريدة، «سنقاتل، وأعتقد أننا سننتصر! ومع ذلك، ومن أجل مصلحة بلدي، أوصي بأن تقوم مديرة إدارة الخدمات العامة إميلي ميرفي وفريقها بما يجب القيام به فيما يتعلق بالبروتوكولات الأولية، وقد طلبت من فريقي أن يفعل الشيء ذاته».وقال ترامب: «أود أن أشكر إميلي مورفي مديرة إدارة الخدمات العامة على تفانيها الثابت وولائها لبلدنا. لقد تعرضت للمضايقة والتهديد وسوء المعاملة، ولا أريد أن أرى ذلك يحدث لها أو لعائلتها أو لموظفي الوكالة».وفي رسالة إلى بايدن قالت ميرفي: «أرجو العلم أنني اتخذت هذا القرار باستقلالية استناداً للقوانين والحقائق المتاحة»، موضحة أنها لم تتعرض لضغوط مباشرة أو غير مباشرة من أي أحد في السلطة التنفيذية «مثل البيت الأبيض أو إدارة الخدمات العامة وأنها علقت الإجراءات بسبب الطعون القانونية لترامب.وسارع فريق بايدن، الذي لم يعد هناك من شكّ بأنه سيصبح الرئيس الـ46 للولايات المتحدة ، إلى الترحيب بهذه الخطوة الضرورية لحصول «انتقال سلس وسلمي للسلطة»، معتبراً أن قرار إدارة الخدمات العامة خطوة ضرورية لبدء معالجة التحديات بما في ذلك السيطرة على الجائحة الضحية وإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح.وكان رؤساء الشركات الكبرى ومن بينهم العديد من رجال مجتمع المال والأعمال حثوا ترامب على الاعتراف بخسارة الانتخابات وبدء إجراءات تسليم السلطة إلى بايدن.جاء ذلك في وقت صادقت اللجنة المختصّة بانتخابات ولاية ميشيغان الرئيسية على فوز بايدن بأغلبية 3 أصوات مقابل امتناع عضو واحد عن التصويت، كما صادقت عليه ولاية بنسلفانيا.وعلى الفور، أكدت وزارة الدفاع «البنتاغون»، في ساعة مبكرة أمس، بدء إجراءات الانتقال الفوري إلى إدارة الرئيس المنتخب وترتيب وتنسيق جميع الاتصالات معها.وأوضحت وزارة الدفاع أنها تلقت اتصالاً من فريق بايدن ونائبته كاميلا هاريس، وبناء على تأكيد مدير إدارة الخدمات العامة، ستبدأ على الفور في تنفيذ خطتها لتقديم الدعم وفقاً للنظام الأساسي وسياستها ومذكرة الاتفاق بين البيت الأبيض والإدارة المنتخبة.وقالت الوزارة، في بيان، «مستعدون لتقديم خدمات ودعم ما بعد الانتخابات بطريقة مهنية ومنظمة وفعالة، بما يتناسب مع توقعات الجمهور للإدارة والتزامنا بالأمن القومي».
إدارة بايدن
وقبل أن يعلن مع هاريس فريقهما الكامل للرأي العام خلال كلمة في ولمينغتون بولاية ديلاوير كشف بايدن عن تعيينات كبرى في حكومته المقبلة، في مقدمتها تسميته أنتوني بلينكن وزيراً للخارجية وجايك سوليفان مستشاراً للامن القومي، وأفريل هاينز (51 عاماً) مديرة للاستخبارات الوطنية لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب وميشيل فلورنوي لتكون أول وزيرة دفاع في تاريخ أميركا.وينوي أيضاً، تسمية الرئيسة السابقة للبنك المركزي جانيت يلين (74 عاماً) وزيرة للخزانة، وهو منصب لم يتوله حتى الآن سوى رجال ويرتدي أهمية استثنائية بسبب تداعيات الأزمة الصحية وانضمام ملايين الأميركيين إلى سوق البطالة.وستكون الأميركية من أصل إفريقي ليندا توماس غرينفيلد (68 عاماً) التي شغلت منصب مساعدة وزير الخارجية لشؤون إفريقيا، سفيرة لدى الأمم المتحدة.وفضلاً عن محاولته تقديم شخصيات تجمع بين تمثيل المرأة والأعراق وتعكس الخطوط العريضة لسياسته الخارجية، كشفت التعيينات عن رغبة بايدن في علاقات إيجابية مع الكونغرس، إذ استبعد تسمية سوزان رايس، بحسب تكهنات سابقة، بعدما أعلن الجمهوريون، وحتى بعض الديمقراطيين، عن معارضتهم لتعيينها في أي منصب يحتاج موافقة مجلس الشيوخ.ومن المعروف أن بلينكن وسوليفان اللذين سيقودان السياسة الخارجية يقدران الزمالة ويؤيدان التحالفات الأميركية وأن خيارهما الأول لحل المشاكل هو الدبلوماسية.يحظى الإثنان بالإشادة لبراعتهما في الاهتمام بالتفاصيل وهي صفة صقلها بلينكن بصفة خاصة خلال خدمته الطويلة في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. غير أن بعض المنتقدين يتساءلون عن الكيفية التي سيحقق بها الاثنان النقلة إلى صدارة المناصب القيادية في الأمن القومي.وفي حين أن بعض الرؤساء، لا سيما أبراهام لينكولن وباراك أوباما، شكلوا حكومات من شخصيات لها ثقلها الكبير وكان بعض أفرادها من أشد معارضيهم السياسيين فقد كان قرار بايدن اختيار اثنين من العاملين السابقين الذين تزاملوا في العمل وعملوا معه سنوات.وفيما يلي بعض القضايا السياسية التي سيواجهها بلينكن وسوليفان، الذي عمل في وزارة الخارجية ثم كبير مستشاري السياسة الخارجية لبايدن في إدارة أوباما، وهما يسعيان لطي صفحة السياسة الخارجية التي اتسمت في بعض الأحيان بالفوضى في عهد ترامب.من المتوقع أن تكون الصين التحدي الرئيسي أمام فريق السياسة الخارجية في إدارة بايدن في وقت هوت فيه العلاقات بين واشنطن وبكين إلى أدنى مستوياتها منذ عشرات السنين.ورغم أن ترامب حذر مراراً خلال الحملة الانتخابية من أن انتصار بايدن سيعني أن الصين «ستمتلك أميركا»، فقد قال بلينكن وسوليفان، إن إدارة بايدن لن تكون أبدا خصماً ضعيفاً أمام بكين.ووعد الاثنان بأن يطبق بايدن سياسة أكثر تماسكاً تجاه الصين على النقيض من نهج ترامب الذي اتسم في بعض الأحيان بالتفكك وتباين بين خوض حرب تجارية مريرة وإهالة الثناء على الرئيس الصيني شي جينبينغ.ومن المتوقع أيضاً أن يبلور الاثنان دعم الحلفاء للضغط على بكين لاحترام الأعراف الدولية في قضايا مثل التجارة وهونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي وفيروس كورونا وحقوق الإنسان.ومع ذلك فمن المتوقع أن يتعرض فريق السياسة الخارجية في إدارة بايدن لضغوط لكي يبرهن على أنه لا يلجأ ببساطة إلى نهج إدارة أوباما الذي يعتقد بعض المعارضين أنه كان قائماً على محاولة ساذجة لدفع الصين إلى الالتزام بالقواعد.من المتوقع أن يرسم بلينكن وسوليفان سياسة أكثر تشددا تجاه روسيا. إذ أن بايدن لم يترك مجالاً للشك في أنه يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خصوم الولايات المتحدة عندما قال قبل الانتخابات «سأوضح لخصومنا أن أيام التودد مع المستبدين قد ولت».إيران
كان سوليفان من الأعضاء الرئيسيين في فريق المفاوضات السرية التي أفضت إلى الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015 وقد طالب هو وبلينكن بالعودة إلى الدبلوماسية مع طهران.وقد قال بايدن، إنه سيعاود الانضمام للاتفاق إذا استأنفت إيران أولاً الالتزام حرفياً بالاتفاق. وسيعمل بايدن مع الحلفاء «لتقوية الاتفاق وتمديده وفي الوقت نفسه التصدي بفاعلية لأنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار».غير أن العودة إلى الاتفاق الأصلي ليست بالأمر البسيط ومن المؤكد أن إيران ستطالب بتنازلات.سيجد فريق الأمن القومي في إدارة بايدن نفسه أمام قرارات صعبة فيما يتعلق بأفغانستان التي قرر ترامب الأسبوع الماضي خفض عدد القوات الأميركية فيها إلى 2500 جندي من 4500 جندي بحلول منتصف يناير، في خطوة تضعف قدرة كابول وواشنطن على الضغط على حركة طالبان.والسؤال الرئيسي هو ما إذا كانت إدارة بايدن ستنفذ بنود الاتفاق الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وحركة طالبان في مارس وتسحب القوات كلها من أفغانستان بحلول 2021 دون إلزام طالبان بتعهداتها بخفض العنف وقطع صلاتها مع تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية الأخرى التي قد تشكل خطراً على المصالح الأميركية.وقد قال بلينكن، إن نشر القوات لآماد مفتوحة في أماكن مثل أفغانستان وسورية «دون استراتيجية واضحة يجب أن ينتهي وسينتهي» في عهد بايدن.غير أن هذه القرارات ستتوقف على التقييمات العسكرية للأوضاع على الأرض والتشاور مع الحلفاء الأمر الذي يبقي الباب مفتوحاً أمام استمرار الوجود الأميركي هناك.اتصالات
وأجرى بايدن، أمس الأول، محادثات مع قادة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وذلك في جولة اتصالات تندرج في إطار جهود يبذلها لإصلاح العلاقات المتوترة بين ضفتي الأطلسي.وجاء في بيان أصدره مكتبه عقب اتصال مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، أنّ بايدن "أكّد التزامه ترسيخ العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإعادة تنشيطها".بدوره، قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال "لنُعِد بناء تحالف قوي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة"، وذلك عقب اتصال مع بايدن دعا فيه الرئيس الأميركي المنتخب إلى "اجتماع خاص في بروكسل العام المقبل" مع قادة الدول الـ27 الأعضاء في التكتل.ويتطلّع دبلوماسيون أوروبيون إلى كيفية تعامل بايدن مع ملف "بريكست"، وأيضا تموضعه بالنسبة للعلاقات الأميركية-الأوروبية مقابل العلاقات المميّزة" بين الولايات المتحدة وبريطانيا.وسبق أن انتقد بايدن، وبلينكن الذي اختاره الرئيس المنتخب لتولّي وزارة الخارجية، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد أعربا عن تخوّفهما من تداعيات "بريكست" على اتفاق السلام في ايرلندا.كذلك أجرى بايدن محادثات مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ وأبلغه "التزام الولايات المتحدة الراسخ بالحلف بما في ذلك بمبدئه الأساسي الذي ينص على الدفاع المشترك بموجب البند الخامس" من ميثاق الحلف.