ترامب هو الخاسر!
ترامب هو الخاسر الحقيقي في نهاية المطاف لأنه ليس بارعاً جداً في السياسة، فقد كانت الأجواء المحيطة به توحي بأنه زعيم لا يُقهَر بعد ترشّحه للرئاسة عن الحزب الجمهوري في 2016، ونجح في هزم هيلاري كلينتون رغم شعبيتها الواسعة في الانتخابات العامة، لكن برزت مؤشرات تحذيرية في الوقت نفسه.
أطلق دونالد ترامب في 2016 الوعد التالي: "نحن سنفوز لدرجة أنكم ستمرضون وتتعبون منا"، وخلال السنوات الأربع اللاحقة، تعب الأميركيون ومرضوا فعلاً (أُصيب نحو 10 ملايين منهم بفيروس "كوفيد19" حتى الآن) وسئموا في النهاية من الوضع القائم.أثبت الناس بهذه الطريقة أن ترامب الذي بنى مسيرته المهنية وشخصيته العامة على مفهوم الفوز الدائم أنه خاسر حقيقي، وبعدما انتقلت ولاية بنسلفانيا إلى تأييد الحزب الديمقراطي المتمثل بجو بايدن، يمكن القول إن نتيجة الانتخابات حُسِمت وهُزِم الرئيس الحالي، ولم تتضح بعد ملامح هذه الخسارة، لكنّ النتيجة النهائية واضحة.قد يُسبب ترامب وحلفاؤه بعض الاضطرابات ويضعفون ثقة الأميركيين بالمؤسسات تزامناً مع خروجهم من السلطة، لكنّ الدعاوى القضائية المتعددة التي رفعتها حملته الانتخابية ستُكبّدهم خسائر إضافية، ويدرك ترامب هذا الواقع أيضاً واتّضح ذلك في أسلوب كلامه في خطاب يوم الخميس.
ترامب هو الخاسر الحقيقي في نهاية المطاف لأنه ليس بارعاً جداً في السياسة، فقد كانت الأجواء المحيطة به توحي بأنه زعيم لا يُقهَر بعد ترشّحه للرئاسة عن الحزب الجمهوري في 2016، فاعتُبر من أقوى السياسيين على الإطلاق ثم نجح في هزم هيلاري كلينتون رغم شعبيتها الواسعة في الانتخابات العامة، لكن برزت مؤشرات تحذيرية في الوقت نفسه، ونجح ترامب بصعوبة في حسم الانتخابات التمهيدية ثم اضطر للقتال لكسب ترشيحه خلال المؤتمر الوطني الجمهوري. هزم ترامب كلينتون بسهولة في المجمع الانتخابي لكنها سبقته بثلاثة ملايين صوت تقريباً في التصويت الشعبي، وكان متأخراً عن المرشحين الجمهوريين لعضوية مجلس النواب ومجلس الشيوخ في أماكن كثيرة. لم يتوقف ترامب عن التكلم عن تلك الانتخابات وتابع تنظيم التجمعات التي يحبها كثيراً، فسافر إلى أول تجمّع مماثل بعد أقل من شهر على تنصيبه، حتى أنه تابع التكلم عن تجربة 2016 رغم خسارة حزبه في الانتخابات النصفية، وخلال الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية لعام 2020، تكلم مع حلفائه عن الرسائل الإلكترونية الخاصة بكلينتون واسترجع أمجاد الماضي. باختصار، لم يدرك ترامب أن معظم البلد تجاوز تلك المرحلة.تعددت العوامل التي كانت تصبّ في مصلحة الرئيس رغم انتشار فيروس كورونا، إذ يفوز معظم الرؤساء بولاية ثانية عموماً واعتبر الناخبون الوضع الاقتصادي جيداً، رغم الأضرار المترتبة عن تعامله الكارثي مع الوباء المستجد، لكنه ارتكب أخطاءً كان يسهل تجنّبها، وفي الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، امتعض الجمهوريون لأنه هاجم استطلاعات الرأي التي نشرتها قناة "فوكس نيوز" بدل التباهي بإقرار عضوية القاضية إيمي كوني باريت في المحكمة العليا: إنه موقف نموذجي لمرشّح يسهل أن يتشتت تركيزه. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، قرر ترامب الحد من رحلاته إلى أريزونا لأنه لا يحبذ تمضية الليل بعيداً عن سريره، يبدو أن هذه الولاية كانت من بين الولايات التي انقلبت عليه وقررت دعم بايدن في عام 2020 بعدما أيدته هو في 2016، مع أن الفرق بينهما هناك يبقى صغيراً.مع ذلك، تمكّن ترامب من الفوز بملايين الأصوات الإضافية مقارنةً بالانتخابات السابقة، فتحدى بذلك نتائج استطلاعات الرأي. لكنه خسر مجدداً في التصويت الشعبي وبفارق أوسع من 2016، ومن المتوقع أن يتوسّع هذا الفارق بعد احتساب الأصوات في جميع الولايات، حتى أن عدداً من المرشحين الجمهوريين سبقه مجدداً في التصويت، ويوم الخميس الماضي، بدا زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي مذهولاً حين أعلن أن فوز مرشّحي الحزب الجمهوري في مجلس النواب تزامناً مع خسارة ترامب هو إثبات على التزوير، إنه موقف خطير وغير منطقي: ما الذي يدفع الديمقراطيين إلى سرقة منصب الرئاسة والتخلي عن مجلس النواب؟ عملياً، تكشف هذه النتيجة عيوب ترامب كمرشّح للرئاسة، حيث قرر الرئيس أن يحوّل الاستحقاق الانتخابي إلى استفتاء حول أدائه، فتجاوب معه الناخبون، فهو لا يستطيع لوم أحد إلا نفسه.سبق أن تذوق ترامب طعم الخسارة، كانت مسيرته المهنية عبارة عن تقلبات متواصلة وقد تعرّض خلالها للإفلاس في عدد من الشركات، لطالما نجح في تجاوز تلك الإخفاقات وأطلق حملات دعائية تُمهّد لوصوله إلى البيت الأبيض، لقد أصبح اليوم أكثر شهرة وشعبية من أي وقت مضى، لكن أثبتت الانتخابات الأخيرة أنه خسر جزءاً كبيراً من شعبيته في الوقت نفسه، وسيتضرر البلد حتماً من ادعاءات ترامب حول تزوير الانتخابات، لكنه لن يسترجع مطلقاً صورة الفائز الدائم بعد هذه الخسارة الدراماتيكية العلنية.* ديفيد غراهام*
ترامب هزم هيلاري كلينتون بسهولة في المجمع الانتخابي لكنها سبقته بثلاثة ملايين صوت تقريباً في التصويت الشعبي