الصين تعطي حرب الطائرات بلا طيار طابعاً عالمياً!
بدأت الطائرات المسلّحة بلا طيار تتكاثر بوتيرة سريعة ومن المتوقع أن تصبح الحروب التي تستعمل هذه الأدوات أكثر شيوعاً في السنوات المقبلة، حيث تكشف أحدث الأبحاث أن 18 بلداً اقتنى هذا النوع من الطائرات بين عامي 2011 و2019، وكان هذا العدد يقتصر على ثلاثة بلدان قبل عام 2011: الولايات المتحدة، بريطانيا، إسرائيل.
أصبحت حروب الطائرات بلا طيار من أهم التطورات الأمنية الدولية في القرن الحادي والعشرين، نفّذت الولايات المتحدة آلاف الضربات الجوية بهذه الطائرات، وتتراوح تحركاتها بين اعتداءات ضد جهات غير حكومية مثل "القاعدة" وعمليات كتلك التي قتلت الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير الماضي، كذلك استعملت تركيا طائراتها المسلحة بلا طيار محلياً ضد "حزب العمال الكردستاني"، واستخدمتها نيجيريا ضد جماعة "بوكو حرام"، والعراق ضد "داعش"، ونفذت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أيضاً غارات في اليمن عبر هذه الطائرات، وفي الأسابيع القليلة الماضية استخدمت أذربيجان طائرات مسلّحة بلا طيار في حربها مع أرمينيا لاستهداف الدبابات والمدفعيات تحديداً.بدأت الطائرات المسلّحة بلا طيار تتكاثر بوتيرة سريعة ومن المتوقع أن تصبح الحروب التي تستعمل هذه الأدوات أكثر شيوعاً في السنوات المقبلة، حيث تكشف أحدث الأبحاث أن 18 بلداً اقتنى هذا النوع من الطائرات بين عامي 2011 و2019، وكان هذا العدد يقتصر على ثلاثة بلدان قبل عام 2011: الولايات المتحدة، بريطانيا، إسرائيل.تملك الولايات المتحدة أكثر الطائرات تقدّماً في العالم ويرتفع عدد المهتمين بشرائها، لكن يَحِدّ نظام طوعي لمراقبة الصادرات منذ عام 1987 قدرتها على بيع الطائرات المسلّحة بلا طيار، فقد نشأ نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ خلال الحرب الباردة لمنع انتشار الصواريخ القادرة على نقل أسلحة الدمار الشامل، وبموجب هذا النظام، تضطر الولايات المتحدة في معظم الظروف لتجنب تصدير أنظمة "الفئة الأولى"، أي المعدات التي تستطيع قطع أكثر من 300 كيلومتر ونقل حمولة يفوق وزنها 500 كيلوغرام.
كان ذلك النظام يهدف في الأصل إلى تنظيم الصواريخ الأحادية الاتجاه، لا الطائرات العسكرية، لكن اعتُبرت الطائرات بلا طيار في 1987 أقرب إلى الخيار الأول لأنها مُصمَّمة بشكلٍ أساسي لتنفيذ مهام أحادية الجانب مثل اختبار دقة الصواريخ أو إطلاق عمليات استطلاعية قصيرة المدى، لكن تبدو النسخ المعاصرة أقرب إلى الطائرات العسكرية لأنها تستطيع البقاء في الجو ساعات أو أياما متواصلة قبل أن تعود إلى قاعدتها الأصلية. مع ذلك، تخضع الطائرات الحديثة راهناً لضوابط معينة بموجب نظام العام 1987، ولهذا السبب تباطأت الولايات المتحدة في دخول سوق الطائرات المسلّحة بلا طيار في معظم فترات العقد الماضي في حين كثّفت الصين ودول أخرى عمليات تصديرها.
الفائزون والخاسرون
ترافق الانضباط الأميركي، ولو عن غير قصد، مع تداعيات كبرى على أنواع الدول القادرة على اقتناء طائرات مسلّحة بلا طيار، إذ تزعم الصين أن أنظمتها القابلة للتصدير تدخل في خانة التوجيهات الواردة في "الفئة الأولى" من نظام 1987، ورغم تأكيد الصين التزامها بتلك التوجيهات، فإنها ليست عضواً رسمياً في الاتفاق، لذا تتمتع بهامش أوسع من الحرية لاختيار الأسواق التي تُصدّر لها طائراتها ولا تقع معظم تلك الأسواق في دول ديمقراطية، ومن أصل 11 بلداً اشترى طائرات مسلّحة بلا طيار من الصين، مثل مصر وأوزبكستان، كانت تسعة بلدان غير ديمقراطية في أول سنة من عمليات الشراء، وعلى نطاق أوسع بدت الدول غير الديمقراطية أكثر استعداداً من الأنظمة الديمقراطية لاقتناء تلك الطائرات بأكثر من ثماني مرات بين 2011 و2019. أصبحت الدول غير الديمقراطية أكثر ميلاً إلى شراء الطائرات المسلحة بلا طيار خلال هذه الفترة لأن الصين تفرض ضوابط أقل من الولايات المتحدة على طريقة استخدام الأسلحة المستوردة، ولهذا السبب يحق للمتلقين أن يستعملوا الأسلحة بالطريقة التي تناسبهم، حتى لو كانت عملياتهم تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان، وفي هذا السياق يتكلم شو قوانغتشو، لواء متقاعد في جيش التحرير الشعبي، عن أبرز المزايا التي تقدّمها الصين عند بيع الأسلحة، فيقول إنها "لا تفرض أي متطلبات على الحكومات الأخرى للتأثير على مكانتها أو سياساتها الداخلية".وفي المقابل فرضت السياسة الأميركية لتصدير الطائرات بلا طيار في عام 2015 على المتلقين "استخدام تلك الأنظمة بما يتوافق مع القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان"، بالإضافة إلى "عدم استعمال المركبات الجوية بلا طيار لتنفيذ عمليات استطلاع خارجة عن القانون وعدم استخدام أي قوة غير مشروعة ضد السكان المحليين"، حتى فرنسا حليفة الولايات المتحدة المقرّبة، كانت تحتاج إلى إذن الحكومة الأميركية لإطلاق طائرات "ريبر إم كيو 9" في مرحلة معينة. تحتفظ الولايات المتحدة بالنفوذ الكافي لوقف إمدادات قِطَع الغيار والذخائر إلى الدول التي تمتنع عن تطبيق قواعدها.لهذه الأسباب كلها، تكاثرت الطائرات بلا طيار المستوردة من الصين أكثر من الولايات المتحدة بكل وضوح، وترافق هذا النمط غير المتوازن مع عواقب بارزة، ولم تمنع الضوابط الأميركية المفروضة على صادرات الطائرات بلا طيار انتشار الأسلحة، بل إنها جعلت الدول غير الديمقراطية تتفوق على حلفاء الولايات المتحدة الديمقراطيين على مستوى شراء الطائرات المسلحة بلا طيار، وفي غضون ذلك استعملت الصين صادرات الطائرات لبناء علاقات دفاعية مع دول مختلفة حول العالم، بما في ذلك شركاء الولايات المتحدة، فرفض الأميركيون مثلاً طلبات الأردن والعراق والإمارات والسعودية شراء الطائرات المسلحة بلا طيار؛ لذا قررت هذه الدول شراء تلك الطائرات من الصين.الولايات المتحدة تردّ
رداً على هذه الظروف غير الإيجابية، قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يوليو 2020 "إعادة تفسير" نظام العام 1987، ومن الآن فصاعداً ستُعتبر الطائرات بلا طيار التي تحلّق بسرعة أقل من 800 كلم في الساعة، على غرار طائرات "بريداتور" و"ريبر" من إنتاج شركة "جنرال أتوميكس"، جزءاً من أنظمة "الفئة الثانية"، مما يُسهّل عملية تصديرها، وغداة تعديل السياسة المعمول بها، أبلغت إدارة ترامب الكونغرس بأنها وافقت على بيع الطائرات المسلحة بلا طيار إلى تايوان والإمارات العربية المتحدة، ثم ضغط وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووزير الدفاع السابق مارك إيسبر على الهند لشراء تلك الطائرات من الولايات المتحدة.وبما أن الولايات المتحدة باتت مستعدة لتصدير الطائرات المسلحة بلا طيار بهذه الشروط، فمن المتوقع أن يتلاشى التفوق الذي كانت تتمتع به الدول غير الديمقراطية في سوق الطائرات، كذلك، قد تتسارع وتيرة انتشار تلك الطائرات على الأرجح، حيث سجّل موردون محتملون آخرون، مثل تركيا، زيادة في المبيعات أيضاً خلال السنوات الأخيرة، ولا شك أنهم سيسهمون في توسيع نطاق انتشار الطائرات بلا طيار، فاستخدمت أذربيجان مثلاً طائرات مماثلة من صنع تركيا لشن الضربات الجوية في حربها ضد أرمينيا.تأثير الطائرات الجديدة
قد تزيد وتيرة الاعتداءات بالطائرات بلا طيار في المستقبل القريب على الأرجح نظراً إلى ارتفاع أعداد الدول والجهات غير الحكومية التي تقتنيها، لكن تبقى خطورة التهديدات التي تطرحها هذه الأسلحة منخفضة نسبياً، في الوقت الراهن على الأقل.يسهل إسقاط الطائرات المعاصرة بلا طيار عند رصدها مقارنةً بالطائرات المأهولة لأنها أبطأ وأقل قدرة على المناورة وتعجز عن الدفاع عن نفسها. أسقطت إيران وسورية والحوثيون الطائرات الأميركية بلا طيار في مناسبات عدة، ولهذا السبب لا تُعتبر النسخ المعاصرة من تلك الطائرات مفيدة جداً في المجالات الجوية المتنازع عليها أو في الصراعات القائمة بين قوى عسكرية متطورة، ومع ذلك تصبح جيوش كثيرة ضعيفة أمام ضربات تلك الطائرات، وهذا ما استنتجته أرمينيا من اعتداءات أذربيجان على أنظمة دفاعاتها الجوية السوفياتية، كذلك، قد تسمح التكنولوجيا التي تُمكّن الطائرات بلا طيار من الدفاع عن نفسها أو التحليق جماعياً والتفوق على دفاعات الأعداء بزيادة فاعلية تلك الأسلحة مستقبلاً.وبحسب أحدث الأبحاث قد يسهم استخدام الطائرات بلا طيار في تعزيز الاستقرار في بعض الحالات، فقد أثبتت الألعاب الحربية التجريبية أن صانعي القرارات العسكرية يفضلون عموماً إطلاق ردود عسكرية عدائية عند إسقاط الطائرات المأهولة تحديداً، فعلى أرض الواقع قرر الرئيس ترامب في 19 يونيو الماضي التراجع عن إطلاق ضربات جوية ضد إيران بعد إسقاطها طائرة "آر كيو 4 غلوبال هوك" الاستطلاعية، وكتب ترامب تغريدة لتبرير قراره، فقال إن الرد بضربات جوية "لا يتماشى مع إسقاط طائرة بلا طيار".لا تزال تداعيات هذه التكنولوجيا العسكرية على المدى الطويل مجهولة حتى الآن، لكن من الواضح أن الوضع خرج عن السيطرة فقد بدأت الطائرات المسلحة بلا طيار تتكاثر بوتيرة متسارعة، ولهذا السبب تُخيّم أسئلة كبرى حول انتشار تلك الطائرات على عهد جو بايدن المرتقب، إذ يستطيع الرئيس بايدن أن يعيد إحياء الضوابط التي فرضها باراك أوباما في عهده على تصدير الطائرات الأميركية بلا طيار، مما يعني التنازل عن هذا السوق للصين مجدداً، أو قد تتخذ إدارة بايدن مساراً معاكساً، فتقرر عدم العودة إلى الوراء وتجعل الطائرات بلا طيار جزءاً اعتيادياً من الحروب، أو يمكنها أن تتوصل إلى حل وسط، فتفرض مستوىً أعلى من التدقيق بصادرات الطائرات تزامناً مع تسهيل تصديرها إلى أقرب الحلفاء، لا سيما الدول الديمقراطية.*مايكل هورويتز وجوشوا شوارتز وماثيو فورمان
وتيرة الاعتداءات بهذه النوعية من الطائرات قد تزيد في المستقبل القريب نظراً لارتفاع أعداد الدول والجهات غير الحكومية التي تقتنيها
الولايات المتحدة تملك أكثرها تقدّماً في العالم لكن نظام 1987 الطوعي لمراقبة الصادرات يَحِدّ قدرتها على بيعها
الولايات المتحدة تملك أكثرها تقدّماً في العالم لكن نظام 1987 الطوعي لمراقبة الصادرات يَحِدّ قدرتها على بيعها