وجهة نظر : الشراكة بين القطاعين... من منظور كويتي!
يتم تعريف الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمفهوم الاقتصادي بعلاقة تعاون تعاقدية طويلة الأجل يتم من خلالها وضع ترتيبات محددة يستطيع بمقتضاها القطاع العام توفير الخدمات العامة من خلال القطاع الخاص، في إطار من العلاقة التكاملية بين القطاعين العام والخاص، التي لا تشمل خصخصة الأصول العامة. وعليه، فإن المحور الرئيسي بين الشراكة والخصخصة هي ملكية الأصول، في الخصخصة يتم نقل ملكية الأصول العامة بصورة دائمة للقطاع الخاص، بينما في الشراكة يتم نقل ملكية أصول بعض المشروعات لفترة زمنية محددة، ثم تعود الملكية إلى الدولة، وفقًا لعقد مبرم بين الطرفين. هناك عدة اعتبارات توضح أهمية موضوع الشراكة، حيث تأتي الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، لتمثّل حلا وسطا بين الإدارة الحكومية من ناحية، ونقل الملكية للقطاع الخاص من ناحية أخرى، وذلك للاستفادة القصوى من ميزات كل من القطاعين العام والخاص، وتقليص مساوئهما إلى أدنى درجة ممكنة، حيث تسعى الشراكة إلى الاستفادة من خبرات وإمكانات القطاع الخاص التكنولوجية والتمويلية والإدارية من ناحية، مع الإبقاء على ملكية المشروعات ملكية عامة للدولة.
كما تهدف مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص الى بناء اقتصاد مستدام، يستند إلى المعرفة والتنافسية والخبرة والتنوع، كما يهدف الى تخفيف الضغط عن المالية العامة التي تعانيها الحكومات في تمويل مشاريع الخدمات، مع تحسين القدرة الإدارية للقطاع العام.وتسهم الشراكة في تغيير سياسة الحكومة من إدارة الخدمات العامة، إلى التركيز على وضع السياسات والأولويات لمشروعات البنية الأساسية، وتفتح حيّزًا اقتصاديًا لدخول الشركات الصغيرة والمتوسّطة إلى مشاريع وخدمات كانت مستبعدة منها. تعد التجربة البريطانية في الشراكة بين القطاعين العام والخاص من التجارب الرائدة في هذا المجال، والتي اتخذتها العديد من الدول، وقد نشأت فكرة مشاركة القطاع الخاص مع الحكومة في تمويل مشروعات البنية الأساسية في المملكة المتحدة منذ الثمانينيات نتيجة القلق حول تزايد الدين العام، فبدأت في عام 1980 بمشروع نفق "القنال الإنكليزي"، الذي يربط بين بريطانيا وفرنسا عام 1986.لقد كان توجّه الحكومة البريطانية نحو برنامج الشراكة بقناعة حكومية برلمانية بأن الشراكة هي أفضل وسيلة لضمان إدخال تحسينات في الخدمات العامة، لقدرة وكفاءة القطاع الخاص على تشغيل الخدمات من الهيئات الحكومية، اتخاذ الشراكة أداة اقتصادية للحد من تزايد الاقتراض (لتنفيذ مشروعات الخدمات العامة) وتخفيض الدين العام وأعبائه الذي كان للقطاع العام النصيب الأكبر منه.وعلى الرغم من أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص قد أصبحت وسيلة مبتكرة لتنفيذ المشاريع الحكومية، فإن مستوى اعتمادها منخفض نسبيًا في المنطقة، فقد بدأت دول الخليج عام 2005 بتبني أسلوب الشراكات مع القطاع الخاص عبر سنّ القوانين وإصدار التشريعات، ونتج عن ذلك تنفيذ العديد من مشروعات الشراكة في مجالات الكهرباء والماء والنقل، وكان للمملكة العربية السعودية النصيب الأكبر بمشاريع الشراكة في مشروعات البنية الأساسية، وتم منح دور أكبر للقطاع الخاص المحلي لتحسين كفاءة ونوعية الخدمة المقدمة، في ظل الزيادة الطلب على الخدمات الحكومية المختلفة، بسبب ارتفاع عدد السكان، واتباع سياسة تقنين التمويل الحكومي لمشروعات الخدمات العامة، بسبب ما تشهده أسعار النفط العالمية من تقلبات في الأسواق العالمية.أما في الكويت فقد تعثّرت العديد من مشاريع الشراكة، التي بدأت عام 2002 بمشروع تطوير جزيرة فيلكا تحت ما يسمى "جهاز تنفيذ مشروعات المنطقة المقسومة وتنمية الجزر الكويتية والمشروعات الكبرى"، الذي واجه عدة تحديات وتعثّر حتى عام 2008، عندما أقر نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T) الذي بسببه قامت مشادات سياسية بين الحكومة ومجلس الأمة، ليستمر تعثّر مشاريع الشراكة حتى عام 2010 عند إنشاء "الجهاز الفني لدراسة المشروعات التنموية والمبادرات" الذي قام بعدة دراسات اقتصادية للمشروع، لكن يستمر مسلسل الإخفاق حتى عام 2014 عندما أنشئت "هيئة الشراكة بين القطاعين الخاص والعام"، في محاولة للمضي بمشاريع الشراكة المتعثرة، علما بأن مشاريع الشراكة لا تزال تعاني العراقيل من الجانبين الفني والمالي (التمويلي) والقانوني، التي عطلت طرح العديد من مشاريع الهيئة في المواعيد المستهدفة!إن أساس نجاح الشراكة بالكويت يتطلب وجود تشريعات تحقق المزيد من الكفاءة والاستدامة للشراكة بين القطاعين العام والخاص في بيئة متوازنة تنظيمياً وقانونيا، بدلا من تضمينها شروطا مرهقة قد تعيق التنفيذ السلس لمشاريع الشراكة، وتربك المستثمرين.إن تصحيح الوضع الحالي يتطلب ضرورة توافر الإطار التنظيمي المطور والملائم الذي يكفل التطبيق الآمن للشراكة مـع القطاع الخاص لإنجاح هـذه الشراكة. ولذلك هناك ضرورة استمرار "حوار القطاعين العام مع الخاص"، الذي يعني مشاركة الأخير في رسم بعض سياسات التنمية الاقتصادية للدولة لكي تخفف من العبء الواقع على كاهل الدولة فـي دراسة وتمويـل مشروعات البنية الأساسية، كي تعود بمنافع اقتصادية واجتماعية ذات مرود عال، بما يحقق الهدف الاستراتيجي للتنمية.