محاكمة الديمقراطية الكويتية
ألم يئن الأوان لمحاكمة الديمقراطية الكويتية؟نحن مقبلون على الانتخابات السادسة عشرة لمجلس الأمة، وفي رواية أخرى هي الثامنة عشرة، بسبب إلغاء مجلسي ٢٠١٢.وبدلاً من الانطلاق إلى مزيد من الحريات، كما جاء في نص الدستور، طبقنا منطق للخلف در، حتى لم يعد هناك مجال للتراجع.
يدور الناس حول شعلة ديمقراطية متأرجحة، تكاد تنطفئ، مع كل هبة ريح، أو نفخة نافخ، أو فعلة فاعل، دوران حول الساقية بلا فكاك. عمر المسيرة الديمقراطية، إن جاز التعبير، بلغ ٥٨ عاماً، وإن كانت تبدو ملامحها أكبر من ذلك بكثير، وقد شاخت، وتهدلت أهدابها، وضاعت حقائبها. لا يحق للناخب أن يشتكي من مجلس فيما هو ينتخب من لا ينفع. وحيث إن مجلس الأمة دوره التشريع والرقابة، فقد بلغ عدد الاستجوابات ١٠٨ خلال ٥٨ عاماً. ١٥ استجواباً في المجالس السبعة الأولى، و٣٠ استجواباً في الخمسة التي تليها، أما المجالس الثلاثة الأخيرة (٢٠٠٩ إلى ٢٠١٦)، وبعد خصم مجلسي ٢٠١٢، فنجدها ٦٤ استجواباً، وطالت وزراء من الأسرة الحاكمة، ورؤساء وزارات. بل إن المجلس الحالي، الذي يوصف بالضعف، قدم ٢٩ استجواباً، محتلاً المرتبة الأولى بين المجالس الخمسة عشر. من حيث الشكل يبدو أن المجلس قد كشر عن أنيابه، وغرس أظافره، ومارس رقابته. إلا أن نتائج الاستجوابات لا تعدو عن كونها إما استقالة وزير، أو تدويره، أو تشكيل لجنة متابعة، وما أكثرها، التي تضيع نتائجها كغبار في صحراء. ويزيد المأساة انتشار النمل النيابي الذي يعتاش على ريحة الدسم منتظراً الاستجواب ليتنفع من ورائه. اطلعت على تقارير الكثير من لجان المتابعة، وبعضها بذل جهداً جيداً ووضع التوصيات دون تنفيذ.تشريعياً، المجلس يعاني من حالة مرضية مزمنة، في إصدار قوانين غير صالحة أو غير دستورية أو قاصرة، محققاً الفساد التشريعي.أما السلطة التنفيذية أو الحكومة فتتحمل الوزر الأكبر فيما وصلنا إليه، فهي الأقوى، تحتكر الأمن، والثروة، والتوظيف، والخدمات، وتمتلك أكثر من ٩٠٪ من الأرض، كما أنها جزء من المجلس، حيث يمثلها ١٦ إنساناً، وهي الحزب الوحيد داخل المجلس، وهي مسؤولة بشكل مباشر عن معظم الخلل والاختلال في العملية السياسية.خلال مسيرة ٥٨ عاماً بلغ عدد المجالس التي لم تكمل مدتها ٨، وإذا أضفنا مجلسي ٢٠١٢ المخصومين تصبح ١٠ مجالس، بل إن مجلسي ١٩٧٥ و١٩٨٥ تم حلهما حلاً غير دستوري. أي أن القاعدة هي حل المجلس والاستثناء هو استمراره. إن كانت كل هذه الحقائق لا تدل على وجود أزمة، فما الذي يمكن أن يجعلنا نستشعرها؟ وبدلاً من الاستمرار في هذا العبث صار لابد من وقفة مع الذات، والبدء بالمحاكمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للسلطتين، لعلنا نخرج من تلك المراجعة إلى آفاق أرحب.