منذ أكثر من عشرين عاماً مضت تلقيت نسخة من تعداد سكان الكويت لعام 1957، وهذه النسخة من إهداء الأخ العزيز أحمد محمد الناهض- مدير إدارة التعداد والإحصاءات السكانية بذلك الوقت، وطلب مني بخط يده حفظها في أرشيفي التراثي للتاريخ وللأجيال القادمة، وجاء الوقت للتحدُّث عنها، وله وافر الشكر والتقدير.والحديث عن هذا التعداد قد يستغرق مقالات طويلة لا تنتهي، لكن يهمني في هذه المقالة السريعة، أولاً الإشارة إلى أن التعداد جرى بناءً على تعليمات سامية من سمو الشيخ عبدالله السالم، وصدر مرسوم بتاريخ 1/9 / 1957 بتكليف دائرة الشؤون للقيام بذلك، والطلب من كل الدوائر الأخرى تسخير واستنفار كل طاقتها لهذا الغرض. وكذلك أود الإشارة في المقالة إلى نقطة جوهرية تتعلق بدقة هذا الإحصاء، حيث لم يُترك أي إنسان حي على أرض الكويت إلا وقد وصل إليه الإحصاء، لأخذ البيانات الشاملة عنه. والأمر الثالث، هو الرد على مَنْ يعتقد أن الإحصاء كان خاصاً للسكان الذين بداخل مدينة الكويت القديمة وقراها وجزيرة فيلكا فقط، بل تم تقسيم الخريطة الكويتية إلى قطاعات عددها عشرون على شكل مربعات، وكل مربع تولت رئاسته لجنة، وفيها أعضاء، ومعهم مرافق من الشرطة يتبعهم بداخل جيب، ومعه جهاز لاسلكي، ولم يترك رجال الإحصاء أي مبنى سكني أو حوطة أو شبرة أو خيمة أو عشة أو بيت شعر في البر إلا قاموا بتسجيله وإحصاء ساكنيه وإحصاء أسمائهم وجنسياتهم وأعمالهم، وهذا ما وجدته في التقرير التفصيلي الذي اشتمل على 364 صفحة. وبالمناسبة، من الواجب الإشادة بدور دائرة الشؤون، التي تأسست في عام 1954، وكان رئيسها بذلك الوقت الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، ويعاونه أربعة من كبار قياديي الإدارة، وهم من خيرة رجالات الكويت: حمد الرجيب وعبدالعزيز الصرعاوي ومحمد زيد الحربش ومحمد البلهان، وجميعهم أصبحوا وزراء وسفراء بوزارة الخارجية بعد الاستقلال، فكان لهم دور كبير في هذا الإحصاء، وبذلوا جهداً فوق طاقتهم. ولهذه الدائرة بالمناسبة أعمال أخرى كبيرة، حيث تقوم بصرف الإعانات والمساعدات للفقراء بداخل المدينة والقرى، وكذلك لسكان البادية، وتوفير فرص العمل لهم، للقضاء على البطالة، وبناء بيوت ذوي الدخل المحدود للمستحقين الكويتيين، وكانت فترة الانتظار لتسلم البيت الجديد لا تزيد على شهر، والمسؤول عن توزيع البيوت بذلك الوقت من أبناء الكويت المخلصين محمد عبدالله المطير. وعندما تشكَّلت لجان الجنسية الكويتية في عام 1959، أصبحت كل الأمور واضحة تماماً، فسكان المدينة وقرى الكويت وأهالي فيلكا ليس لديهم أي مشكلة، وعندهم وثائق قديمة لتملك بيوتهم، كما ساهم إحصاء 1957 في التعرف على سكان البادية، رغم قلة العدد الذي ظهر في إحصاء 1957، لانتفاء عهد البادية، وانخراط سكانها بالمدينة، وأخذوا حقوقهم كاملة، ولم يترك أحد منهم غير مستحق.
وخلاصة القول، إن تعداد المواطنين الكويتيين في إحصاء عام 1957 بلغ 59.154 ألفاً من الرجال و54.468 ألفاً من النساء، والمجموع الإجمالي للمواطنين الكويتيين 113.622 ألفاً لا غير. وهذا ما تقوله الوثائق والمستندات، وما جاء من زيادة في أعداد السكان فيما بعد، لهو أمر لا يستوعبه العقل البشري، وها نحن نشهد نتائج ذلك.
أخر كلام
تعداد سكان الكويت سنة 1957
29-11-2020