قدّم 29 أكاديميا من جامعة الكويت متخصصين في علوم الإدارة والاقتصاد ورقة بعنوان «قبل فوات الأوان... رؤية صادقة لتصحيح المسار نحو اقتصاد عادل ومستدام»، يقرعون الجرس من خلالها للفت انتباه المواطن ومجتمع الأعمال ومتخذي القرار الاقتصادي في السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى حقيقة لا جدال فيها بأن استدامة دولة الرفاه لأجيال المستقبل غير ممكنة من دون تضحيات وتنازلات يقدّمها الجيل الحالي، مقدّمين رؤية من خمسة محاور لتصحيح المسار الاقتصادي تؤخذ كحزمة متكاملة، تتمثل في إيجاد مصادر دخل مساندة للثروة النفطية، وإصلاح المالية العامة، وإصلاح الاختلال في سوق العمل، والاستثمار في رأس المال البشري، وإصلاح التركيبة السكانية.

وأجمع الأكاديميون الـ 29 في الورقة المنشورة على موقع «كويت امباكت» KuwaitImpakt.com المتخصص في نشر الأوراق والدراسات المتعلقة بالسياسة العامة في الكويت، على أن الاقتصاد الكويتي بشكله الحالي غير مستدام، وبأن معيشة الرفاه التي اعتادها الكويتيون منذ اكتشاف النفط مهددة بالزوال، بسبب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، بدءاً من الأزمة المالية العالمية في عام 2008، مروراً بانهيار أسعار النفط، وانتهاء بجائحة فيروس كورونا، موضحين أن هذه المتغيرات تنذر بكارثة اقتصادية ستحل بالكويت، وتفضي إلى تغيير جذري ودائم في حياة الكويتيين.

Ad

وقد استعرضت الورقة خمسة اختلالات هيكلية في الاقتصاد الكويتي، مؤكدة في الوقت ذاته أنها ليست جديدة، إلا أن عمقها في الأزمات المتتالية:

- أولاً: الاعتماد على النفط كمصدر أحادي للدخل، حيث تعد الكويت أكثر دول الخليج اعتماداً على النفط الذي يشكل 43 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي و91 بالمئة من الصادرات، وهو ما يؤدي إلى الاختلال في المالية العامة.

- ثانياً: الاختلال في المالية العامة، والتقلب الكبير بالإيرادات العامة، بسبب ارتباطها بسعر النفط، حيث سجلت الكويت عجزا متراكما منذ عام 2015 بلغ 28 مليار دينار، كما ذكرت الورقة أن «الكويت تغرف من مخزونها النفطي، وتوجه جل الإيرادات لمصروفات جارية بعوائد تنموية محدودة».

- ثالثاً: الاختلال في سوق العمل المتمثل في تضخم القطاع العام وتدني كفاءته في الوقت الذي يعتمد القطاع الخاص على توظيف العمالة الأجنبية الرخيصة.

- رابعاً: ضعف النظام التعليمي، مقارنة مع بقية دول الخليج، حيث حلّ تلاميذ الكويت أسفل القائمة في اختبارات قياس الأداء، على الرغم من زيادة نسب الصرف في وزارة التربية.

- خامساً: الاختلال في التركيبة السكانية، وهو نتاج طبيعي للاختلالات الهيكلية الأخرى من الاعتماد شبه الكلي على النفط، وتوجيه ريعه لدفع رواتب الوظائف الحكومية، مما أدى إلى توجه الكويتيين للعمل في القطاع الحكومي وعزوفهم عن العمل في القطاع الخاص الذي تسهل له الدولة توظيف العمالة الأجنبية بتحمّلها جزءا من تكلفته من خلال شمولها بالدعوم كالرعاية الصحية واستهلاك الوقود والكهرباء والماء، علاوة على ضعف مخرجات التعليم التي تضعف من تنافسية العمالة الوطنية.

بدوره، قال د. ضاري الرشيد، أحد الأكاديميين الـ 29 إن الورقة تم إعدادها بهدف خلق حوار وطني بين صانعي القرار الاقتصادي ورواد الأعمال والباحثين العلميين وعموم المواطنين، مضيفا «إننا مجموعة من الأكاديميين الشباب المتخصصين في المجالات الاقتصادية والإدارية في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت، تزامنت فترة ابتعاثنا للدراسات العليا مع فترة التعافي بعد أزمة 2008، وشهدنا عن قرب كيف أعادت الأزمة تشكيل النظريات والمفاهيم الاقتصادية، وبأنه لم يعد مقبولا أن يستمر التشريع ورسم السياسات في الكويت بناء على الآراء الشخصية والانطباعات العامة والمزاج السياسي بدلاً من الدليل العلمي».

أما د. شملان البحر، الموقّع على الورقة، فقد ذكر أن «هذه المرة الأولى ليست هي التي تطفو فيها الضرورة المُلِحّة للإصلاح الاقتصادي على السطح، لكن ما نسعى إليه في هذه الرؤية هو معالجة شاملة للخلل الاقتصادي تستهدف جذور المشكلة لا أعراضها، فلا يصلح التعامل مع القطاعات الاقتصادية كوحدات منفصلة، مع إغفال تسرّب آثار السياسات العامة فيما بينها، أو طرح الحلول القصيرة النظر دون اعتبار لآثارها بعيدة المدى، أو ربطها بالحالة المالية للدولة، حيث تعلو صيحات الإصلاح عند انخفاض سعر النفط وتخفت عند ارتفاعه».

وتطرح دراسة «قبل فوات الأوان» مجموعة من الحلول المتشابكة والمترابطة لوضع الكويت على المسار الصحيح باتجاه الاقتصاد المستدام، ومنها:

1. إيجاد قطاع خاص ذي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

2. الانفتاح على الأسواق العالمية، ودعم جهود التكامل الاقتصادي بين دول الخليج.

3. توسيع القاعدة الاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة عن طريق تعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

4. تعريف مفهوم صندوق «الأجيال القادمة»، وتوضيح الأهداف من احتياطه، وتحديد إطار عام للأفق الزمني والظروف التي تستدعي السحب منه.

5. مراجعة رسوم الانتفاع بأملاك الدولة لمواكبة قيمتها السوقية ورسوم الخدمات العامة وغرامات المخالفات.

6. ترشيد الدعوم الاجتماعية والاستهلاكية بتوجيهها للمستحقين حسب مستوى الدخل تحقيقاً للعدالة الاجتماعية.

7. تعديل سلّم الرواتب في القطاع العام، بما يعكس القيمة الإنتاجية لكل وظيفة، ويحقق التنافسية مع القطاع الخاص.

8. فرض ضريبة على أصحاب الأعمال مقابل توظيف العمالة الأجنبية، وتوجيه إيراداتها لتحفيز العمالة الوطنية للعمل في القطاع الخاص وتدريبها.

9. زيادة ميزانية دعم البحث العلمي ورفع معايير الحصول عليه.

10. إنشاء هيئة عامة لتنفيذ سياسة الهجرة والإقامة، وتنظيم استقدام العمالة الأجنبية وحقوقها وواجباتها.