جنوب العراق على عتبة اقتتال بعد تلويح الصدر بـ«آخر الدواء»
أزيلت في مدينة الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار العراقية، خيام آخر الاعتصامات التي نظمها «حراك تشرين» طوال أكثر من عام، احتجاجاً على سوء الإدارة والفساد، بعدما جاء ذلك بنحو عنيف أدى إلى تصعيد غير مسبوق بين التيارات المدنية وحليفها السابق مقتدى الصدر، الذي يُتهم أنصاره بالتورط في استخدام العنف.وعقب أحداث مشابهة تضمنت محاولات اغتيال في بغداد والكوت، استمر الكرّ والفرّ على مدى اليومين الماضيين في الناصرية، ووقع قتلى وجرحى بعد تظاهرة الجمعة، التي نظمها أتباع الصدر في قلب بغداد، وأُلقي خلالها خطاباً باسمه حدد فيه الأعداء، متطرقاً إلى العلمانيين بوضوح مع أوصاف قاسية.ووضع الصدر خطة عمل تنطوي على تهديد بالعنف بوصفه آخر الدواء إن لم تنفع الوسائل السلمية.
وطوال خمسة أعوام، وفي تغيير لسياساته السابقة، عقد الصدر شراكة مهمة مع التيارات المدنية وتحالف معها في الانتخابات الماضية لتنسيق قضايا حاسمة لم تكن لتمضي، حسب المراقبين، إلا بهذه الشراكة، في ملفات من قبيل إطاحة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والاعتراض على النفوذ الإيراني وانفلات سلاح الميليشيات، وقضايا التعايش القومي والطائفي.غير أنه منذ اغتيال جنرال حرس الثورة الإيراني قاسم سليماني في العراق بدأ شرخ يظهر بين الحليفين، وطلب الصدر التهدئة مع إيران، لكن صقور العلمانيين الشباب ردوا بانتقاد دوره في الاحتجاجات واصفين إياه بأنه جزء من أخطاء النظام التي تعرقل الإصلاحات. ولا يتحمل التيار الصدري في العادة انتقادات حادة من خصومه ومنافسيه، وعليه واجه هجمات لفظية نادرة من التيار المدني، واعتبرها الصدر في خطابه مبرراً لأن يكون «آخر الدواء الكي»، خصوصاً مع الحساسية الدينية لعائلته التي تعتبر أعرق المرجعيات الدينية في المنطقة، وتشتهر بدور إيجابي طائفياً واجتماعياً منذ خمسة قرون.ويقول مقربون من الصدر إنهم يخشون انتقال المماحكات هذه إلى منزلق يحرق الأخضر واليابس، في حين يتحدث علمانيون عن مخاوف من اندلاع اقتتال داخلي في الجنوب ذي الأغلبية الشيعية، وحتى الآن فشل العقلاء من الطرفين في منع وصول الأمور إلى هذه اللحظة المحرجة لكليهما.وذكرت مصادر من التيار المدني أنها حاولت بلورة اتفاق يقضي بوقف الحرب الكلامية والاحتكاكات العنيفة بين الجانبين، لكنها لم تحصل على مرونة كافية من الجانبين.وتأخّر رد فعل الحكومة نظراً إلى التنسيق الوثيق الذي يربط رئيسها مصطفى الكاظمي وفريقه، مع الصدريين، في مواجهة ملفات كثيرة، وأرسلت بغداد أمس، قوات خاصة إلى الجنوب ومسؤولي أمن كباراً، في حين عاد الصدر ببيان للتهدئة قال فيه إن «حركة تشرين» شريكة أساسية له، وإن حقوقها محفوظة، لكنه حذر من عناصر مندسة تخرب العلاقة بين الطرفين.وتتداول الأوساط السياسية أنباء عن سعادة وشعور بالرضا تبديه إيران وحلفاؤها في العراق جراء الانقسام الذي يحصل بين الصدر وحركة الاحتجاج المدني، فانشغال الرأي العام بذلك سيطوي صفحة الاتهامات التي يوجهها العراقيون لإيران بالتسبب في مقتل وجرح نحو ٣٠ ألفاً من المحتجين خلال العامين الحالي والمنصرم، كما قد يقرب ذلك الصدر من إيران، وهو أبرز رجل دين شيعي ينتقد دور طهران منذ سنوات.ويبدو أنه بات من الصعب ترميم الشراكة المنفضة بين «حركة تشرين» والتيار الصدري، لكن السؤال الذي يشغل الأوساط الاحتجاجية وحلفاء الحكومة هذه الأيام، هو ما إذا كان الأمر وصل إلى طريق مسدود سينتهي بالعنف، وهو عنف من شأنه وضع جنوب البلاد النفطي على كف عفريت، أم أن الخلافات يمكن إدارتها بحكمة، لمنع جهات كثيرة مناهضة للدولة والقانون من استغلال الأزمات الراهنة وبث مزيد من الفوضى، خصوصاً على وقع انتقال السلطة في البيت الأبيض والتطورات الأمنية في إيران، والشعور بالتهديد في منطقة الخليج العربي.