في حكم قضائي بارز، رفضت دائرة تجاري الحكومة في المحكمة الكلية، برئاسة وكيل المحكمة الكلية القاضي محمد العبهول، وعضوية القاضيين محسن الحنفي وعبدالرحمن الصرعاوي، دعوى مقامة من أحد تجار الخضار ضد رئيس الوزراء ووكيل وزارة المالية، بطلب الحصول على تعويضات مالية بسبب الخسائر التي تعرض لها نتيجة فرض الحظر الكلي في البلاد أثناء أزمة كورونا.وقال المدعي، شرحا لدعواه التي طلب فيها الحصول على تعويض قيمته 37 ألف دينار، إنه بتاريخ 8/4/2020 وحتى 25/4/2020 تعاقد على استيراد شحنة من البصل الهندي، وهي عبارة عن 4 حاويات شحن بمقدار 40 قدم مساحة لكل حاوية، وبلغت تكلفة الحاويات 13652 دينارا، وتزامنت فترة التعاقد مع ما كانت تعانيه الكويت من أزمة شح ونقص في معروض ثمرة البصل، لذا قام باستيرادها من الهند مساهمة منه في الحد من هذه الأزمة، وتخفيف المعاناة التي يعانيها المستهلك، لكنه وقبل استلامه تلك الشحنة صدر قرار مجلس الوزراء بفرض الحظر الكلي من تاريخ 10/5/2020 إلى 30/5/2020، ولم يستطع المدعي استصدار أي تصاريح خاصة لاستلام البضاعة، رغم مراجعة وزارة الداخلية، حيث لاقت طلباته الرفض.
وأضاف أنه لما كان ذلك القرار قد نتجت عنه خسائر كبيرة بالمدعي نتيجة سوء حالة البضاعة، بسبب طول فترة تخزينها، مكوثها داخل الحاويات ثلاثة أسابيع، إضافة إلى فترة الشحن البحري التي تجاوزت الشهرين، مما تسبب في خسارة المدعي لتلك البضاعة لعدم تمكينه من تصريفها لنقصان جودتها، وترتب عليه تراكم غرامات مالية لشركات الشحن والتي كانت تتصاعد بمرور إشغال البضاعة للحاويات التي قاربت 12000 دينار، حيث قام المدعي بدفع تلك الغرامات، إضافة إلى الغرامات الخاصة بالقيمة الأرضية بمبلغ 8 دنانير لليوم الواحد لكل حاوية.وأشار إلى أن كل ذلك نتجت عنه خسائر فادحة بالمدعي بسبب قرار الحظر الكلي، لعدم تمكنه من بيع تلك البضاعة أو الاستفادة منها، مبينا أن المادة 25 من الدستور تنص على أنه «تكفل الدولة تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناتجة عن الكوارث والمحن العامة، وتعويض المصابين بأضرار الحرب أو بسبب تأدية واجباتهم العسكرية».
مصالح الدولة
وأفادت المحكمة، في حيثيات حكمها، بأن «المقرر دستوريا وفق نص المادة 123 أن مجلس الوزراء يهيمن على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية، وكان من المقرر دستوريا وفق نص المادة 130 أنه يتولى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته، وينفذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة ويشرف على تنفيذها».وأضافت: «لما كانت اللائحة الداخلية لمجلس الوزراء، التي صدرت في جلسته رقم 48/63 المنعقدة بتاريخ 11/11/1963، تنص على أن مجلس الوزراء هو الهيئة العليا – بعد صاحب السمو الأمير - في السلطة التنفيذية، يهيمن على مصالح الدولة ويرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية، ويتكون مجلس الوزراء من سمو رئيس مجلس الوزراء وجميع الوزراء، ويقوم بأمانة السر فيه الأمين العام لمجلس الوزراء، ويختص مجلس الوزراء برسم سياسة الحكومة والهيمنة على مصالح الدولة بصفة عامة، ويقوم على وجه الخصوص بتقرير ما يرى في أي مسألة تتعلق بسياسة الدولة العامة الداخلية أو الخارجية يعرضها عليه أحد الوزراء».ولما كان من المقرر دستوريا وفق نص المادة 15 أنه «تنعي الدولة بالصحة العامة وبوسائل الوقاية والعلاج والأوبئة»، كما تنص المادة 15 من القانون رقم 8 لسنة 1969 بشأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض السارية المعدل على أنه عند ظهور وباء الجدري أو الكوليرا أو الطاعون أو أي مرض وبائي آخر، يخول وزير الصحة العامة سلطات استثنائية لحماية البلاد من تفشي الوباء، وذلك بالاتفاق مع الوزراء المختصين، وبالاستعانة بأفراد الشرطة العامة والقوات المسلحة لتنفيذ قراراته، ويخول بصفة خاصة إصدار قرارات بالتدابير والاحتياطات الآتية:• عزل المناطق التي تظهر فيها حالات مرضية عزلا تاما وعدم السماح بالدخول اليها او الخروج منها بأي وسيلة كانت إلا لمن ترخص لهم وزارة الصحة العامة بذلك.• منع التجول في بعض المناطق للمدة اللازمة لإجراء التطعيم الاجباري العام للسكان أو غير ذلك من الإجراءات.• اتخاذ أي تدابير أو احتياطات أخرى يراها ضرورية لمكافحة الوباء.قرارات ملحقة
واردفت المحكمة: «ثم صدر القرار الوزاري رقم 49/2020 بإضافة الإصابة بفيروس كورونا (كوفيد 19) للجدول المرفق بذاك القانون، ثم أصدر مجلس الوزراء في اجتماعه رقم 17/2020 بتاريخ 19/3/2020 قرارا بتكليف لجنة الدفاع المدني بوضع آلية منع التجول في البلاد، ثم صدر قرار وزير الصحة رقم 65 لسنة 2020 والقرارات الملحقة بمنع التجول والحد منه بحسب الأحوال، خلال فترات منصوص عليها في تلك القرارات المخول بها بموجب نص القانون وقرارات مجلس الوزراء ذات الصلة».وأوضحت أنه من المقرر وفق قضاء محكمة التمييز أن من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسؤولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر باعتبار أن مناط المسؤولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ، وأن لا خطأ في استعمال صاحب الحق لحقه في جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها له هذا الحق، وأن خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل وهو ما أوردته المادة 30 من القانون المدني بقولها «ويكون استعمال الحق غير مشروع إذا انحرف به صاحبه عن الغرض منه أو عن وظيفته الاجتماعية وبوجه خاص (أ) إذا كانت المصلحة التي تترتب عنه غير مشروعة (ب) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير (ج) إذا كانت المصلحة التي تترتب عنه لا تتناسب البتة مع الضرر الذي يلحق بالغير (د) إذا كان من شأنه أن يلحق بالغير ضررا فاحشا غير مألوف».وأضافت أن البين من استقراء هذه الصور أنه يجمع بينهما ضابط مشترك هو نية الاضرار سواء على نحو ايجابي بتعمد السعي إلى مضارة الغير دون نفع يجلبه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر فادح من استعمال صاحب الحق لحقه، وكان الحق في الشكوى والاحتكام إلى القضاء واتخاذ الإجراءات التحفظية والتنفيذية هو من الحقوق العامة التي تثبت للكافة ما لم يقترن استعماله بقصد الكيد والإضرار بالغير، وكان استخلاص الخطأ الموجب للمسؤولية هو من الأمور التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام استخلاصه مستندا إلى ما هو ثابت بالأوراق.السياسة العامة
وتابعت المحكمة: «لما كان ما تقدم وهديا به ولما كان من المقرر وفق نص المادة 123 من الدستور أنه يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية، كما قررت اللائحة الداخلية لمجلس الوزراء التي صدرت بجلسته رقم 48/63 المنعقدة بتاريخ 11/11/1963 على أن مجلس الوزراء هو الهيئة العليا – بعد صاحب السمو الأمير - في السلطة التنفيذية يهيمن على مصالح الدولة ويرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية، ويختص مجلس الوزراء برسم سياسة الحكومة والهيمنة على مصالح الدولة بصفة عامة، ويقوم على وجه الخصوص بتقرير ما يرى في أي مسألة تتعلق بسياسة الدولة العامة الداخلية أو الخارجية يعرضها عليه أحد الوزراء».واستدركت: «لما كان قرار مجلس الوزراء، الصادر في اجتماعه رقم 17/2020 المؤرخ في 19/3/2020، بفرض حظر التجول الكلي في الكويت اعتبارا من تاريخ 10/5/2020 حتى 30/5/2020 قد استثنى من قرار حظر التجول الكلي واقتصر الأعمال في الجهات الحكومية على المرافق الضرورية فقط، ولما كانت الكويت والعالم بأسره قد مروا بظروف استثنائية بسبب تفشي جائحة كورونا، مما كان لزاما على مجلس الوزراء، ممثلا في سمو رئيس مجلس الوزراء بصفته والوزراء المعينين بصفتهم، بفرض حظر التجول الكلي في البلاد خلال الفترة سالفة البيان، استنادا إلى حقهم الدستوري في رسم السياسة العامة في الدولة الداخلية والهيمنة على مصالح الدولة والاشراف على سير العمل في الإدارات الحكومية وذلك تحقيقا لمصلحة عليا وهي الحد من انتشار مرض فيروس كورونا والسيطرة عليه ومنع تفشي المرض داخل الكويت تحقيقا للمصلحة العليا في البلاد والمحافظة على الصحة العامة للمواطنين والمقيمين، بسبب خطورة المرض، بحسب التوصيات التي صدرت من منظمة الصحة العالمية، مما استوجب على مجلس الوزراء إصدار مثل ذلك القرار».استعمال مشروع
وبينت المحكمة انه لما كان المدعى عليهما بصفتهما عند إصدارهما قرار حظر التجول الكلي قد استعملا حقهما استعمالا مشروعا مما لا يكونان مسؤولين عما ينشأ عن ذلك الحق من ضرر، باعتبار أن مناط المسؤولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ، وأن لا خطأ في استعمال صاحب الحق لحقه في جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها له هذا الحق، وأن خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل، وهو ما أوردته المادة 30 من القانون المدني، مما كان البين للمحكمة عند صدور ذلك القرار هو عدم توافر نية الاضرار سواء على نحو ايجابي بتعمد السعي إلى مضارة الغير دون نفع يجلبه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالاستهانة المقصودة، بما يصيب الغير من ضرر فادح من استعمال صاحب الحق لحقه.وقالت: «ولما كان الضرر الذي ينشأ منه الحق ليس إلا تضحية يستلزمها احترام الحق نزولا على حكم القانون الذي يقرر الحق ويحميه، وبالتالي فإن استعمال الحق لا يمكن أن يدعو إلى مؤاخذه أو أن يرتب مسؤولية إلا إذا قصد به كيدا أو عنتا أو لابسه نوع من أنواع التقصير والخطأ، وهو ما خلت منه الأوراق على نحو صريح جازم، الأمر الذي تكون معه الدعوى الماثلة فاقدة لسندها القانوني جديرة بالرفض، الأمر الذي تقضي معه المحكمة تبعا لذلك برفض الدعوى».