الصراع الحقيقي.. من لا يملك ومن يملك كل شيء
الصراع الطبقي سينتهي بعد حين ولن يدوم، وأول من سيقضي عليه هم المتضررون منه ومن باعوا جهودهم على مدى سنين طويلة لتسديد فاتورة ليست لهم أصلا، وليتم هذا كله، يجب على عمال الوطن أن يتحدوا ضد الفساد وقوى الشر التي اقتاتت ومازالت تقتات عليهم.
اتسمت العديد من النزاعات في عالمنا العربي وعلى مدى العقود الأربعة الماضية من الزمن بنزعة وصبغة طائفية أو عنصرية وفي بعض الأحيان خليط مهجن من الاثنتين، فمثل هذه الصراعات كانت ومازالت تمزق مكونات المجتمعات العربية، وتجعل منها لقمة سائغة لأي عدو خارجي أو حتى خائن متربص لوطنه من الداخل ومن لب ذاك المجتمع، أما فيما يخص مجتمعنا الكويتي الحديث والمعاصر فهو ليس بمعزل عن نظرائه في العالم العربي، وذلك رغم تكاتف الكويتيين بطبعهم في وقت الشدة وفي وجه أي عدو خارجي مهما كان قريبا أو بعيدا، إلا أن الصراع الذي يطفو على السطح بين الفينة والأخرى ﺇما بين مكونات اجتماعية مختلفة أو حتى من ينتمون ﺇلى أطياف عقائدية دينية مختلفة، لا يمكن ﺇغفاله أو التغاضي عنه البتة، بل يجب مواجهته وتفسيره وحل رموز شفرته السرية للكشف عن خباياه.ولنا هنا وقفة جادة حول هذا الموضوع الذي يتسم بالحساسية بعض الشيء ويجعل المرء يفكر ألف مرة في ما يمكن له أن يسطر بيراعه على الورق. نعم، ظهر لنا في بعض الأحيان وعلى فترات متفاوتة عدد من «الطنطنات» تلك التي تتسم بالنفس الطائفي أو حتى العنصري النابع من تقسيمات اجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان، وهنا وجب القول إن مثل هذه الصراعات لا تمثل واقع الحياة التي نعيش بشكل يومي هنا على أرض الكويت، فمنا الحضري والبدوي و«القروي»، ومنا المسلم والنصراني بكل أطيافنا وانتماءاتنا المذهبية والعقائدية، والكل يرتدي ثوب حب الوطن والوطنية بالقياس نفسه للطول والعرض دون مزايدة أو تشكيك بالآخر ولله الحمد.كما يمكننا قياس هذا كله من خلال ممارساتنا اليومية ونمط حياتنا التي نعيش، بل من مصاهراتنا وتداخلنا الاجتماعي مع بعضنا، وحبنا الصادق للطرف الآخر دون النظر والالتفات إلى تلك الأمور، كل ذلك نابع من مكمن واحد وهو حب هذه الأرض والذود الحقيقي الصادق عن كل ما فيها. إذاً وجب الفهم بأن مثل هذه «النعرات» التي تطفو على سطح المجتمع، تنجم عن مؤثرات تقتات على تفرقته وتعتاش على مثل هذه الصراعات العنصرية أو الطائفية، ومن يتابع المشهد العام والسياسي للدولة يجد أن مثل هذه الأوتار تعزف في أوقات معينة وفي ظروف محددة يمكن استشعارها، فهذا كله يدلل على صحة القول بأن مثل هذه الصراعات تكون ناجمة عن «قوى الشر» التي لها مصلحة مباشرة في تفتيت نسيج المجتمع، ولكن النظرة الشمولية و«الأبعد» تحتم علينا القول بأن مثل تلك القوى تقوم في الواقع بتغطية الصراع الحقيقي في المجتمع باستخدام أدوات عدة كالطائفية أو الفئوية أو العرقية وما شابه وباستخدام وسائل إعلامية وإلكترونية في العادة.
نعم، الصراع الحقيقي في المجتمع لم ولن يكون إلا صراعاً طبقياً واضحاً وظاهر المعالم بين من يملك «المريش والمرتاح» ومن لا يملك «الفقير المتعومس»، ومع ذلك يجب أن نشير إلى أن الصراع الكويتي الطبقي ليس ما بين غني وفقير البتة، بل بين صاحب رأس المال وعليه أدوات السلطة والنفوذ والأولويات، والعامل الذي يتقاضى أجراً مقابل عمله مهما كانت طبيعة هذا العمل، دون التداخل في المسميات وبكل وضوح. كما أني أرى أن الجدل حول هذا الموضوع لا طائل منه، بل هو حقيقة ثابتة تتجسد على شكل استقطاعات من الرواتب وديون متراكمة وغلاء أسعار تدفعها الطبقة العمالية (الطبقة الكادحة في الدولة) مباشرة إلى جيب من يمتلك كل التسهيلات والأدوات من الطبقة التي تملك (أو حليفاتها).اتسم هذا الصراع الطبقي الموجود الذي أصبح واضح المعالم بتناحر و«تضاد» في المجتمع، معززاً في ذلك التناحر بين الطبقات داخل المجتمع، ومستنداً إلى نظرية «صراع الطبقات» التي أصبحت مثالاً واضحاً للمجتمع الكويتي اليوم ومن بعد انشطار الطبقتين لظروف تاريخية عدة، جعلت من رأس المال المالي-الصناعي تحت تصرف من يملك الأدوات السلطوية والوسائل والأموال.وفي الجهة الأخرى تكونت الطبقة العمالية الكادحة التي أطلقنا عليها لقب «المواطن العادي»، والتي بدأت ببيع مجهودها العضلي والذهني في الغوص والبحث على اللؤلؤ والسفر والمصافي وآبار النفط وغيرها من جهات الدولة، والتي تعزز نمو الطبقة الأولى السالفة الذكر. كل هذا وأزيد أكثر بأن المواطن كان ومازال يحاول أن يبيع جهده أكثر فأكثر وبأي سبيل قانوني لتسديد ديون وتحمل أعباء حياة تم تصميمها وهندستها ليكون هو دائما الحلقة الأضعف، فبهذا أصبحت الدولة وبكل تخصصات المواطن تشبه «مانيفاكتورة» افتراضية تدعمها السلطة وحليفاتها.وللصراع الطبقي الكويتي هذا نواة بداياتها التاريخية معروفة ومفهومة نجمت عن تحالفات تاريخية اقتاتت على عرق جبين الكادحين من أبناء الوطن، ولهذا الصراع في يومنا الحالي دلائل واضحة المعالم، بل أدلة دامغة تجعل من الشخص الذي يعتقد أن الصراع ها هنا مبني على أسس عنصرية في حيرة من أمره، فهل العنصريون والمتعنصرون في حال مالية أو اجتماعية أو حتى نفسية أفضل من غيرهم؟! والإجابة هنا طبعا تكون (لا)، فباستخدام معاييرهم المغلوطة والنظرة المريضة من جهتهم تجد أن جل أولئك المتعنصرين هم أدوات لشيء أكبر بكثير يعزز جيوب فئة اقتاتت على ظهورهم لا أكثر، ففي الواقع من يتداخل مع «من يملك» هو المرتاح وسيقتات على غيره الى حين؛ لذلك وجب التدليل على أن الصراع الطبقي سينتهي بعد حين ولن يدوم، وأول من سيقضي عليه هم المتضررون منه ومن باعوا جهودهم على مدى سنين طويلة لتسديد فاتورة ليست لهم أصلا، وليتم هذا كله، يجب على عمال الوطن أن يتحدوا ضد الفساد وقوى الشر التي اقتاتت ومازالت تقتات عليهم.
الصراع الحقيقي في المجتمع لم ولن يكون إلا صراعاً طبقياً واضحاً بين من يملك «المريش والمرتاح» ومن لا يملك «الفقير المتعومس»