تميل الإدارات الجديدة في واشنطن دوماً إلى لوم سابقاتها على إخفاقات السياسة الخارجية أكثر من خصوم الولايات المتحدة، فقد اتّضحت هذه النزعة في إصرار حملة الرئيس المُنتخب جو بايدن على انتقاد انسحاب دونالد ترامب من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، أي الاتفاق النووي الإيراني، وتعهّد بايدن بالعودة إلى الاتفاق "إذا التزمت إيران مجدداً ببنوده جدّياً"، وقبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية، كتب بايدن: "وفق جميع التقييمات الموضوعية، كانت خطة "الضغوط القصوى" التي فرضها ترامب نعمة حقيقية للنظام في إيران وعائقاً واضحاً أمام المصالح الأميركية".إذا أراد بايدن أن يُجدّد الجهود الدبلوماسية ويعكس مسار البرنامج النووي الإيراني ويحقق أفضل نتائج ممكنة للولايات المتحدة والإيرانيين العاديين والشرق الأوسط عموماً، يجب أن يفهم أولاً أن الظروف ليست في مصلحة إيران. أصبح النظام هناك غير مستقر وتشهد العملة الوطنية هبوطاً حاداً وتقف المنطقة كلها في صف واحد ضد آيات الله، وتستطيع الولايات المتحدة أن تتحمّل الانتظار لفترة إضافية ويمكنها أن تستعمل أسلوب المساومة الإيراني لتحقيق مصالحها عبر دفع القادة الإيرانيين إلى اتخاذ الخطوة الأولى.
لا شك أن فاعلية سياسة "الضغوط القصوى" التي فرضها ترامب وتداعيات عقوباتها وقيودها على كل جانب من النظام الإيراني تستحق النقاش، لكن يخطئ بايدن حين يعتبرها مفيدة لطهران، فبعد أسابيع على انسحاب الولايات المتحدة من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، خسر الريال الإيراني نصف قيمته وانهار اقتصاد البلد. ربما صمد القادة الإيرانيون على المدى القصير عبر استعمال جميع الأدوات التي يملكونها، فهم يحكمون بلداً كبيراً يرتكز على اقتصاد متنوع نسبياً، وقد سمح السوق المحلي الحيوي للجمهورية الإسلامية بالتحايل على هذه الجولة من العقوبات، لكنّ المشهد العام على المدى الطويل يبدو مختلفاً جداً.أثبت الرئيس الإيراني حسن روحاني بمواقفه أن الوضع لن يكون سهلاً بقدر ما يتمنى الرئيس الأميركي المُنتخب، فردّ على نتائج الانتخابات الرئاسية عبر مطالبة بايدن "بالتعويض عن الأخطاء السابقة" التي ارتكبتها إدارة ترامب، كذلك، استبعدت وزارة الخارجية الإيرانية حصول أي تغيير في الاتفاق النووي.منذ عهد أوباما، يشتق منطق التواصل الأميركي مع طهران من القناعة القائلة إن التعامل مع إيران وتخفيف العقوبات المفروضة عليها يفيدان الإصلاحيين في معركتهم ضد المتشددين الإيرانيين، وحتى فريق بايدن قد يبرر تجدّد التواصل بين الطرفين على اعتبار أن هذه الخطوة تقوّي أصوات الإصلاحيين قبل مشاركة الإيرانيين في الانتخابات في مايو 2021.لكنّ هذه الفكرة تغفل حقيقة أساسية في إيران: يخضع السياسيون هناك لأوامر شخصيات أمنية ودينية غير مُنتخَبة داخل النظام. قد يوافق أي رئيس إصلاحي على التفاوض أو حتى توقيع اتفاق معيّن، لكنه لا يملك أي نفوذ، لا هو ولا وزير الخارجية، للتأثير على سلوك الحرس الثوري الإيراني أو المرشد الأعلى، بل إن الطرف الوحيد الذي يملك السلطة اللازمة للتفاوض وتنفيذ أي اتفاق هو المعسكر المتطرف الذي حاول الدبلوماسيون الأميركيون تجاهله لوقتٍ طويل.كانت القيادة الإيرانية تراهن على فوز بايدن في الانتخابات الأميركية، فتجنبت أي حوار جدّي مع إدارة ترامب ولم تقدّم تنازلات حول أحكام الانقضاء الشائكة في الاتفاق. يظن هؤلاء القادة أن الرئيس الأميركي المُنتخب سيضمن صمود نظامهم بأفضل الطرق ومن دون أن يطالبهم بأي تنازلات محورية، ومن المعروف أن الدبلوماسية الاستراتيجية الحقيقية تتطلب أحياناً التزام الصمت والابتعاد عن مصدر المشكلة، فإذا قرر بايدن بكل بساطة أن يقف بعيداً وينتظر الخطوة الأولى من الإيرانيين. قد يلاحظ أن قدرة النظام الإيراني على تحمّل الضغوط القصوى ضعيفة جداً وستصبح الخيارات الدبلوماسية المتاحة له حينها أفضل بكثير مما يتصوّره هو ومساعدوه اليوم.* تشيو وانغ *
مقالات
على بايدن ألا يسارع إلى تغيير السياسة الأميركية تجاه إيران!
01-12-2020