عرس أم معركة انتخابية ولم يبق إلا الاعتراف
لا أعرف من أين جاء مصطلح "العرس الديمقراطي" وصفاً للانتخابات، فلا شيء فيها يشبه العرس، على افتراض أن العرس مناسبة سعيدة، ولربما لما تشهده الانتخابات من ولائم وتجمعات وتقبيل، وأجواء فرح مصطنعة، إلا أنه مع "كورونا" انتهت كل تلك المظاهر.الانتخابات ليست عرساً أو حتى شبه عرس، بأي معنى، بل هي، بكل واقعية، معركة، وسباق، ولا شيء غير ذلك.الانتخابات القادمة بعد 3 أيام تبدو سحنتها، وقد ساحت على وجهها المساحيق، حتى اختلط حابلها بنابلها، فهي من جانب انتخابات فردية، لا جامع بين نوابها، وهي من جانب آخر تحل علينا بدون رؤية للمستقبل، والشعارات المطروحة مؤشر على ذلك، كما أنها تجرى في ظل هيمنة حكومية كاملة، تشرف فيها على الانتخابات من الألف إلى الياء، وهي تجري في إطار صراع محتدم بين انتماءات فئوية وطائفية وقبلية، كما أنها تجرى وسط تراجع كبير في الحريات، وأوضاع اقتصادية صعبة دون حلول لها، وهي تجرى في حالة انتشار معلن للفساد، وضمن تراجع لأهم قضية إنسانية، وهي "البدون"، دون حل يُرتجى.
أما المعركة الانتخابية بذاتها فلا جديد فيها، ولا غائب عنها إلا الشاورما، كما أن المعركة الانتخابية ليست تاريخية، وليست مفصلية، مع تقديرنا لوجود مرشحات ومرشحين مؤهلين وذوي كفاءة أو من الشباب الواعد، إلا أن ما هو أهم من المعركة الانتخابية معركتان أكثر أهمية، الأولى معركة الإصلاح الجاد، الذي لن يتم إلا بتعاون السلطتين، وتعزيز الرقابة الشعبية، ولا يبدو أن ذلك سيتم دون إقرار حكومي بالخلل، وتعهد حقيقي بالالتزام بالدستور، فعبر 58 عاماً أثبتت الحكومة أنها غير معنية بالدستور ومبادئه، ولا بالحريات، ولا بمكافحة الفساد، ولا بالتنمية، ولا بالتعليم، ولا بالاقتصاد، وغير ذلك كثير. إن الإصلاح الحقيقي يتطلب الاعتراف بالخلل والخطأ، وعدم العودة إلى ذات الممارسات التي جففت الزرع والضرع.في صيف 1976، وفي ختام دور الانعقاد العادي لمجلس الأمة، وقف نائب رئيس الوزراء حينها الشيخ جابر العلي، رحمه الله، ليمتدح تعاون مجلس الأمة مع الحكومة، فما ان انفض الجمع، وذهب كل نائب إلى بيته، وقبل أن تغمض العيون، صدر أمر أميري بحل المجلس، مع اتهامه بالثبور وعظائم الأمور، فكان كلام الحكومة مرسلاً، أو على عواهنه. فلن يتم إصلاح إلا من خلال تعهد علني بعدم العودة إلى ذلك السلوك، الذي أحدث حالة عدم استقرار مزمنة.أما المعركة الثانية، وهي جزئياً نتيجة لسابقتها، فهي كيفية استعادة ثقة الناس في العملية السياسية برمتها، سواء في الحكومة أو المجلس. من الواضح أن ممارسات الحكومة والمجلس بدرجة أقل قد أسهمت في تراجع معدلات الثقة بالحكومة، لدرجة أنه لم يعد الحديث عن الإنجازات مقبولاً حتى لو كان حقيقياً، بل ما إن يحدث إنجاز إلا ترى الناس تشكك فيه، وتبحث عن مثالبه.المعركة القادمة إذاً ليست معركة الصناديق والاقتراع، فهي مسألة تقليدية، ولا جديد فيها، فالمعركتان الأساسيتان هما معركة الإصلاح الجاد، واستعادة الثقة، عدا ذلك فإننا سنظل نقرع الطبول، ونبقبق كالفقمات، ونشعل النيران، وندور حولها، تارة ذات اليمين، وتارة ذات اليسار.