4 خيارات صعبة أمام إيران للتعامل مع اغتيال محسن فخري زاده
مواجهة بين حكومة روحاني والأغلبية الأصولية بالبرلمان حول التشدد في البرنامج النووي
بعد اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، وجدت إيران نفسها أمام تداعيات داخلية وخارجية كبيرة، جعلت خياراتها للرد على هذه الصفعة العلنية محدودة. وتواجه طهران بالفعل عراقيل في 4 مسارات محتملة لأي رد متوقع منها.
لا تزال إيران تحاول لملمة التداعيات السياسية والأمنية الثقيلة لاغتيال العالم الإيراني النووي العسكري البارز محسن فخري زاده على الساحة الداخلية، بينما تعكف على بحث خيارات الرد على هذه الصفعة التي جاءت قبل أكثر بقليل من شهر على الذكرى السنوية لاغتيال الجنرال العسكري قاسم سليماني في مطار بغداد، وقبل مغادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب البيت الأبيض في 20 يناير، وتسلّم الرئيس المنتخب جو بايدن المؤيد للانفتاح على طهران السلطة في واشنطن. على المستوى الداخلي، تسبب الاغتيال في شرخين تعمل ماكينة النظام على رأبهما. الأول يتمثّل في تبادل الأجهزة الأمنية الاتهامات حول المسؤولية عن الاختراق الأمني الذي وصل الى حد بث روايتين متناقضتين عن الهجوم؛ واحدة تؤكد وجود مسلحين كمنوا للعالم البارز، وتدعمها وكالات الأنباء الموالية للحكومة، والثانية تتحدث عن هجوم تم عن بُعد دون وجود عنصر بشري، وتدعمها وكالات الحرس الثوري الذي يسعى إلى التقليل من فداحة الخرق. أما التصدع الثاني، فيتمثل بالنقاش السياسي الداخلي حول المفاوضات مع واشنطن، ومحاولة بعض الأصوليين القول إن التفاوض والتوصل الى الاتفاق النووي هو الذي أوصل الى اغتيال علماء إيران، وهو ما رد عليه وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، بالتذكير بأن المرشد الأعلى هو من أعطى الإذن وأشرف على التفاوض الذي بدأ بالسر في عهد أحمدي نجاد، ومؤكدا أن الأصوليين يريدون التفاوض مع واشنطن وليس لديهم أي مشروع سياسي آخر، وهذا عمليا يكشف البلاد سياسياً.
على مستوى آخر، يتحدث مراقبون عن 4 خيارات أمام إيران للرد على اغتيال فخري زاده، لكنهم يتحدثون عن قيود وعراقيل، وهذه الخيارات هي:
أولاً: التشدد النووي
في غضون 72 ساعة من الهجوم، وافق البرلمان الإيراني على "تسريع" برنامجها النووي المدني، مما يزيد من مستوى تخصيب اليورانيوم، بما يتعارض مع الاتفاق النووي الذي تخلى عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عام 2018.وتصعيد البرنامج النووي وسيلة لإظهار التحدي للعالم، ولتأكيد أن أنشطة إيران النووية يمكن أن تنجو من هذا الاغتيال. وعلى الرغم من أن أي زيادة في التخصيب تثير الشكوك في أن إيران يمكن أن تعمل على بناء قنبلة نووية، إلا أن هذا الإجراء يمكن التراجع عنه إلى حد ما.لكن هذا الخيار سرعان ما واجه الواقع، فقد أعلنت حكومة الرئيس حسن روحاني معارضتها لقرار البرلمان تعليق العمل بالبروتوكول الإضافي، وأكدت أن القرار برفع تخصيب اليورانيوم حتى20 بالمئة وتعليق البروتوكول سيجر المزيد من العقوبات على البلاد.وأضاف المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، أن "إيران لم تكن تطبق البروتوكول الإضافي قبل الاتفاق النووي، وكانت تمتلك مئات الكيلوات من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة، الاتفاق النووي لم يؤثر على حجم وكمية اليورانيوم المخصب، والقرار الذي سنّه البرلمان لن يؤدي إلى رفع العقوبات، وتجب مناقشة هذا القرار في مجلس الأمن القومي".ولفت ربيعي إلى أن قرار البرلمان رفع تخصيب اليورانيوم حتى 20 بالمئة وتعليق البروتوكول الإضافي سيجران على إيران المزيد من العقوبات، قائلا: "لا يحق للبرلمان التدخل في هذه القضايا، ونأمل من مجلس صيانة الدستور أن يأخذ بعين الاعتبار العوائق القانونية والمصالح الوطنية قبل المصادقة على القرار".من ناحيته، قال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، إن "تطبيق البروتوكول الإضافي لا يؤثر مطلقا على عملية تخصيب اليورانيوم، لكن تعليق العمل به سيثير الشكوك حول أنشطتنا النووية".وصادق البرلمان الإيراني، أمس الأول، على قانون يلزم الحكومة رفع تخصيب اليورانيوم حتى 20 بالمئة، وبإعادة العمل بمفاعل أراك للماء الثقيل، كما كان عليه قبل الاتفاق النووي عام 2015.ويلزم القانون منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بتخصيب اليورانيوم بمستوى 20 بالمئة وبكمية 120 كيلوغراما سنويا، في محطة فوردو النووية.كما يلزم القانون الحكومة بتركيب 1000 جهاز طرد مركزي من طراز IR-2m لتخصيب اليورانيوم، في منشاة نطنز النووية تحت الأرض، وتركيب 1000 جهاز طرد مركزي من طراز IR6 في محطة فوردو النووية، حتى مارس المقبل.ويلزم القانون أيضا الحكومة بإيقاف العمل بالبروتوكول الإضافي في حال لم تعد العلاقات المصرفية مع العالم إلى طبيعتها ورفع القيود عن الصادرات النفطية بعد شهرين من إقرار القانون.وبناء على القانون، فإنه بعد ثلاثة أشهر من المصادقة عليه، إذا عاد الجانب الآخر إلى الالتزام بتعهداته وفقا للاتفاق النووي، فإن الحكومة الإيرانية مكلفة تقديم مشروع قرار جديد يقضي بالعودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي إلى البرلمان لإقراره. لكن القانون ليصبح نافذاً يجب أن يمرّ على مجلس تشخيص مصلحة النظام.ثانياً: استخدام الوكلاء
تمتلك إيران عددا من الميليشيات "بالوكالة" التي تمولها وتدربها وتمدها بالسلاح في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ في لبنان والعراق وسورية واليمن. وعندما ضربت طائرات من دون طيار وصواريخ كروز البنية التحتية لمعالجة النفط بالمملكة العربية السعودية في سبتمبر 2019، أكدت إيران إطلاقها من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن، على الرغم من إطلاقها من الشمال. وخلصت المخابرات الغربية إلى أن هذا كان هجوما إيرانيا، أطلق كتحذير للسعودية من مقدار الضرر الذي يمكن أن يسببه للاقتصاد السعودي. ولدى إيران الآن عدد من البدائل التي يمكن أن تختار تفعيلها في هذا المجال: يمكنها توجيه حزب الله في لبنان أو حماس في غزة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، أو يمكن أن تجعل الميليشيات الشيعية في العراق تهاجم الوجود الأميركي المتضائل هناك. ويمكنها حمل الحوثيين في اليمن على زيادة هجماتهم على السعودية. ولكن كل هذه الخيارات قد ينجم عنها رد فعل مضاد.ويقول مراقبون إن حزب الله اللبناني لن يكون بمقدروه جر لبنان الى حرب بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يعيشها هذا البلد. وسيكون أي تحرش لحزب الله بإسرائيل خدمة لطهران بمنزلة طعنة كبيرة لنفوذه في لبنان. أما في العراق، فالفصائل المتحالفة مع طهران أضعف من الانجرار الى مواجهة كبيرة مع الأميركيين الذي يمكلون بنية عسكرية كبيرة في بلاد ما بين النهرين. واذا كان بإمكانهم شنّ ضربات محدودة على السفارة الأميركية، أو على قوافل الإمداد الأميركية، فإنهم يخاطرون بالكثير في حال قرروا الدخول بمواجهة أكبر. أما في سورية، فالوجود الإيراني ضعيف نسبة الى بقية اللاعبين، ولا يمكن توجيه ضربة قوية إلا على إسرائيل، وهو ما يستدعي مشاركة من حزب الله.ثالثاً: الرد بالمثل
قد يكون هذا، بالنسبة لإيران، أخطر مسار على الإطلاق: محاولة اغتيال شخصية إسرائيلية رفيعة المستوى مماثلة لمكانة فخري زاده.لقد أظهرت إيران سابقا أنها قادرة على ضرب ما وراء حدود الشرق الأوسط. بعد سلسلة من عمليات القتل الغامضة لأربعة علماء نوويين إيرانيين فيما بين 2010 و2012، ويعتقد على نطاق واسع أن وكالة المخابرات الإسرائيلية (الموساد) قد نفذتها. فقد أُلقي اللوم على حزب الله، حليف إيران، في هجوم انتحاري على حافلة مليئة بالسياح الإسرائيليين في بلغاريا عام 2012.وقبل سنوات، أُلقي اللوم على حزب الله وإيران في الهجمات الدامية على أهداف ذات صلة بإسرائيل في الأرجنتين. وفي الآونة الأخيرة، يُشتبه في قيام عملاء إيرانيين في أوروبا باستهداف المنشقين.ويمتلك "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني فرقا مدربة بشكل خاص على العمليات السرية، بما في ذلك الاغتيالات.لكن حقيقة أن الإجراءات الأمنية حول فخري زاده فشلت بشكل صارخ، مع معرفة القتلة لطريقه بالضبط ووقت رحيله، تأتي بمنزلة تذكير غير مريح لإيران بنقاط الضعف داخل أمنها.وتعرف إيران أيضًا أنها إذا ضربت إسرائيل مباشرة، فمن المحتمل أن تتعرّض لهجوم مدمر جداً ردا على ذلك.ولم تعد إسرائيل دولة منعزلة وحيدة محاطة بأعداء عرب. لذلك سيفكر المخططون العسكريون الإيرانيون، بعناية، في كيفية معايرة الرد الذي يعيد بعض الكبرياء الوطنية، ولكن دون إشعال حرب واسعة النطاق، أو ضربة جوية مدمرة على بنيتها التحتية العسكرية.رابعاً: لا تفعل شيئاً
من غير المحتمل أن هذا الخيار قيد النظر، على الأقل في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أن سفير إيران في لندن قال إن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لم تُحدث أي فرق بالنسبة لحكومته، فإن الحقيقة هي أن إدارة جو بايدن من المرجح أن ترغب في الوصول إلى تقارب مع طهران.وتوجد الآن أصوات معتدلة، خاصة في وزارة الخارجية وعالم الأعمال، تدعو إلى ضبط النفس، أو على الأقل ردّ متأخر، لمنح أي تعاملات مستقبلية مع البيت الأبيض بعض فرص النجاح.وقال الرئيس الأميركي المنتخب إنه يريد إعادة أميركا إلى الاتفاق النووي الذي تخلى عنه ترامب. بالنسبة لإيران، قد يعني ذلك رفع العقوبات وتدفق مليارات الدولارات.ولدى إيران انتخابات مقبلة في يونيو، ويأمل المتشددون أن يبلوا فيها بلاء حسنا. وعلى الرغم من الخطاب الصاخب، سيكون هناك بعض الحذر بشأن بدء عملية يمكن أن تعرقل فرصهم في صناديق الاقتراع.
قرار البرلمان رفع تخصيب اليورانيوم حتى 20٪ وتعليق البروتوكول الإضافي سيجران على إيران المزيد من العقوبات .... ربيعي