إيمانويل ماكرون يتراجع خطوة إلى الوراء في «الأمن الشامل»
في محاولة للخروج من أزمة سياسية بعد التظاهرات العنيفة المناهضة لمسودة قانون «الأمن الشامل» وعنف الشرطة، قرّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والغالبية الداعمة له في البرلمان التراجع خطوة الى الوراء بشأن مسودة القانون المثير للجدل. وفي مؤتمر صحافي في باريس أمس الأول، قال رئيس الكتلة البرلمانية لحركة «الجمهورية إلى الأمام» La République En Marche كريستوف كاستانير، إنه ستتم إعادة صياغة المادة 24 المثيرة للجدل في مشروع القانون بالكامل.وأضاف كاستانير، الذي كان محاطا برئيسي كتلتين برلمانيتين أخريين داعمتين لماكرون هما «مودم» Modem و»أجير» Agir، إن «الهدف من إعادة الصياغة تبديد الشكوك وسوء الفهم»، مشيرا إلى أن «هذه الخطوة لا تعني سحب أو تعليق المادة التي كانت ستجرم تصوير عناصر الشرطة خلال قيامهم بمهامهم ونشر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف الإضرار بهم»، الأمر الذي اعتبره معارضون مساً بحرية الصحافة.
وجاء هذا الإعلان عقب لقاء جمع ماكرون مع رئيس الوزراء جان كاستيكس ووزيري الداخلية والعدل جيرالد دارمانان وإريك موريتي ورؤساء المجموعات البرلمانية للغالبية.ونقلت صحيفة «لوموند» عن مصادر في الدائرة المحيطة بماكرون، أنه وافق على فكرة إعادة صياغة المادة المذكورة من أجل توضيح مضمونها وطمأنة الفرنسيين، على أن يوازن النص الجديد بين حماية قوات الأمن والحريات العامة.وكان ماكرون قد دعا الحكومة لتقديم مقترحات سريعة من أجل إعادة الثقة بين المواطنين والشرطة.
«عالق في المصيدة»
وأوضحت «لوموند» أن «التراجع الاستراتيجي لماكرون وحلفائه يأتي بعد خروج 130 ألف متظاهر فرنسي السبت في مختلف أنحاء البلاد، للتنديد بمشروع قانون الأمن الشامل وعنف الشرطة». وأشارت الصحيفة إلى أن «مشروع القانون واجه معارضة قوية من نقابات الصحافيين والمعارضة اليسارية والمدافعين عن الحريات العامة، بل وحتى من بعض أعضاء الغالبية الحاكمة، حيث طالب هؤلاء بإلغاء المادة الـ24».وأخذت الاحتجاجات زخما أكبر عقب بثّ مقطع مصور يظهر عناصر من الشرطة وهم يضربون المنتج الموسيقي من أصل إفريقي ميشال زيكلير، وهو المقطع الذي أحدث صدمة في البلاد.وكان الرئيس الفرنسي قد عبّر عن صدمته عقب بث المقطع، واعتبر أن الصور التي تظهر تعرّض زيكلير للضرب هي «عار» على فرنسا.ووجّه القضاء الفرنسي الاتهام إلى 4 من رجال الشرطة في قضية الاعتداء على زيكلير، ووُضع اثنان منهم في الحبس الاحتياطي، ووضع الثالث تحت الرقابة، أما الشرطي الرابع المتهم بإلقائه قنبلة داخل مؤسسة الضحية، فقد وجهت له تهمة استخدام العنف المتعمد.كما زادت قضية الاعتداء على زيكلير الضغوط على وزير الداخلية جيرالد دارمانان الذي قال مخاطبا نواب البرلمان إنه لا طلاق بين الشعب والشرطة، مضيفا أنهم يسعون إلى تفسير الصعوبات التي يواجهها عناصر الشرطة، وأيضا كيف يرغب الشعب أن تمارس قوات الشرطة مهامها.وتعليقا على موقف ماكرون وحلفائه قبل تعديل القانون، كتبت صحيفة «ليبراسيون» اليسارية أن «ماكرون عالق في المصيدة»، في حين رأت صحيفة «لوفيغارو» أن «الحكومة تسعى للخروج من المأزق».وبينما تراجعت الحكومة خطوة إلى الوراء، طالب معارضون بينهم رئيس كتلة النواب الشيوعيين فابيان روسيل، بسحب مشروع قانون الأمن الشامل برمته، في حين نددت زعيمة «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرّفة مارين لوبن بـ «الفوضى المتكررة في فرنسا مع حكومة فقدت السيطرة، وأثبتت أنها متهاونة مع ناشطي اليسار المتطرف».ويجد ماكرون وحكومته نفسيهما أمام خيار حساس للتفاوض على مخرج من الأزمة. وبعدما وصل عام 2017 إلى الحكم مستفيداً من أصوات اليمين واليسار، يبدو ماكرون حالياً محاصراً بين التيارين.ووزير الداخلية مكلف استقطاب ناخبي اليمين، أما اليسار المقسم، فهو يحاول الاتحاد خلف ملف الأمن لكسب مزيد من الدعم وإضعاف الغالبية الرئاسية التي تجد نفسها بالفعل بموقف صعب. فقد رأى النائب من كتلة «رونيسانس» (النهضة)، وهي كتلة تابعة لماكرون، كما نقلت عنه «لوموند»، أن «خط دارمانان يؤجج النقاش، ويكسر نقطة توازن القاعدة الانتخابية للغالبية».واعتبر زعيم الكتلة الاشتراكية في البرلمان أوليفييه فور، من جهته، أن «رئيس الجمهورية عليه أن يختار من يكون، عليه أن يختار ما إذا كان دارمانان أو (المفتش العام للشرطة ديدييه) لاليمان، أو على العكس ما إذا كان جمهورياً كما يقول».