استخدمت المجر وبولندا حق النقض ضد ميزانية الاتحاد الأوروبي المقترحة التي تمتد سبع سنوات بقيمة 1.15 تريليون يورو (1.4 تريليون دولار أميركي) وصندوق التعافي الأوروبي بقيمة 750 مليار يورو، ورغم أن البلدين هما أكبر المستفيدين من الميزانية، فإن حكومتيهما تعارضان بشدة شرط سيادة القانون الذي تبناه الاتحاد الأوروبي بناء على طلب من البرلمان الأوروبي، وهما يدركان أنهما ينتهكان سيادة القانون بطرق فاضحة، ولا يريدان أن يتحملا العواقب.الواقع أنه ليس المفهوم المجرد لسيادة القانون هو الذي يعارضه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وبدرجة أقل حاكم بولندا بحكم الأمر الواقع ياروسواف كاتشينسكي، فمن منظورهما، تمثل سيادة القانون الحد العملي للفساد الشخصي والسياسي، بل يشكل استخدام حق النقض هنا مناورة يائسة من جانب اثنين من معتادي انتهاك سيادة القانون. كانت أيضا خطوة غير مسبوقة، تأتي في وقت حيث تعاني أوروبا طفرة خطيرة في حالات الإصابة بعدوى مرض فيروس كورونا 2019، وقد دفعت بممثلي بلدان الاتحاد الأوروبي إلى حالة من الحيرة والارتباك.
لقد جرى اعتماد الضوابط التنظيمية لسيادة القانون، وإذا تَـعَـذَّر التوصل إلى اتفاق على ميزانية جديدة، يستمر العمل بالميزانية القديمة، التي تنتهي بنهاية 2020، على أساس سنوي، ولن تتلقى المجر وبولندا أي مدفوعات بموجب هذه الميزانية، لأن حكومتي البلدين تنتهكان سيادة القانون.أنا من المؤيدين الملتزمين للاتحاد الأوروبي باعتباره نموذجا للمجتمع المفتوح الذي بُـني على سيادة القانون، وأنا مهتم بشكل خاص بالوضع في المجر، حيث كنت ناشطا في العمل الخيري لأكثر من ثلاثين عاما، فشيد أوربان في المجر نظاما واضحا قائما على حكم اللصوص لسرقة البلاد في غفلة منها، ومن الصعب تقدير المبلغ الذي أثرى به أسرته وأصدقاءه، لكن كثيرين منهم أصبحوا فاحشي الثراء، والآن يستغل أوربان الموجة الجديدة من جائحة كوفيد19 لتعديل الدستور المجري والقانون الانتخابي (مرة أخرى) وترسيخ نفسه رئيسا للوزراء مدى الحياة من خلال السبل الدستورية، وهي مأساة للشعب المجري.اسمحوا لي بتقديم بعض الأمثلة للكيفية التي نهب بها أوربان الشعب المجري: حوّل أوربان مبالغ ضخمة من المال العام إلى عدد من المؤسسات الخاصة التي يسيطر عليها بشكل غير مباشر، ومن خلال حيلة دستورية ذكية، يعمل أوربان الآن على إزالة هذه الأصول بشكل دائم من المجال العام؛ ويتطلب الأمر أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان لإعادتها إلى الشعب المجري، وتعادل المبالغ المعنية ما يقرب من 2.8 مليار دولار أميركي.في سلسلة من المعاملات الاحتيالية، اشترت شركات مقربة من أوربان أكثر من 16 ألفا من أجهزة مساعدة التنفس نيابة عن المجر مقابل مليار دولار تقريبا، وهو ما يتجاوز كثيرا عدد أَسِـرَّة العناية المركزة والموظفين الطبيين الذين يمكنهم تشغيلها، ويُـظـهِـر تحليل لبيانات التجارة الدولية أن المجر دفعت أكبر مبلغ في الاتحاد الأوروبي لشراء أجهزة مساعدة التنفس من الصين، حتى أنها عند مرحلة ما دفعت أكثر مما دفعته ألمانيا بنحو خمسين مرة.حصلت إحدى هذه الشركات أيضا على طلب من سلوفينيا، التي يُـعَـد رئيس وزرائها يانيز جانشا حليفا سياسيا وثيقا لأوربان، ويتعين على المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال أن يجري تحقيقا في ما إذا كان الاتحاد الأوروبي وقع ضحية للاحتيال، ومن الواضح أن العقد الأخير لشراء اللقاح الروسي، الذي سيجعل المجر أول دولة أوروبية تستخدمه، يستوجب التحقيق.في الوقت ذاته يسعى أوربان إلى تجنب المساءلة عن هذه التصرفات، ويتخذ خطوات لمنع تكرار ما حدث في الانتخابات المحلية في عام 2019، عندما فقد حزبه فيدس السيطرة على الحكومة البلدية في بودابست ومدن أخرى كبرى، ويبذل أوربان قصارى جهده لحرمان بودابست من الموارد المالية، فاعترض على الطلب الذي تقدمت به المدينة لاقتراض المال من بنك الاستثمار الأوروبي لشراء معدات نقل جماعي جديدة تتوافق مع قواعد التباعد الاجتماعي، والآن تنتظر بودابست عجزا في ميزانية 2021 يبلغ 290 مليون دولار، وتسود ظروف مماثلة في مدن أخرى تديرها حكومات محلية لا تخضع لسيطرة حزب فيدس.تحاول أحزاب المعارضة بشجاعة تحدي أوربان من خلال تشكيل قائمة مشتركة من المرشحين للانتخابات العامة في عام 2022. لكن فرص هذه الأحزاب في تحقيق النجاح محدودة لأن أوربان قادر على تغيير القواعد دون سابق إنذار، كما فعل عدة مرات من قبل، ويخطط أوربان الآن بكل ارتياح لتقديم أحدث التغييرات التي يعتزم إدخالها على القانون الانتخابي في حين تستعر الجائحة، وتخضع بودابست لحظر التجول، ويجوب الجنود الشوارع في دورياتهم.علاوة على ذلك، يفرض أوربان سيطرة كاملة تقريبا على الريف، حيث يعيش غالبية السكان، فهو يتحكم في المعلومات التي يتلقونها، والتصويت في العديد من القرى ليس سريا.الحق أن الاتحاد الأوروبي وحده القادر على المساعدة، لذلك يجب توجيه أمواله إلى السلطات المحلية، حيث لا تزال الديمقراطية فاعلة في المجر، على عكس المستوى الوطني، ولا يجوز للاتحاد الأوروبي أن يقدم أي تنازلات بشأن شروط سيادة القانون، وستحدد كيفية استجابته للتحدي الذي يفرضه أوربان وكاتشينسكي إذا كان سيتمكن من البقاء كمجتمع مفتوح مخلص للقيم التي تأسس عليها.* جورج سوروس*رئيس مجلس إدارة صندوق سوروس ومؤسسات المجتمع المفتوح، وأحد رواد صناعة صناديق التحوط، ومؤلف كتاب «كيمياء التمويل».«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
وقوف أوروبا في وجه المجر وبولندا واجب
03-12-2020