رسالة قبل فوات الأوان
أصبحت هموم المواطن ومصلحته بضاعة "تباع وتشترى" في سوق الانتخابات على يد بعض المرشحين الذين يعملون بلا برامج واضحة وبلا حلول منطقية ودون محتوى موزون، وإنما بشعارات مكررة وأطروحات شعبوية معادة في كل انتخابات، وكأنهم يقتاتون على الأزمات والإخفاقات التي يمر بها الوطن.نعم... الكويت ضحية هذه الشعارات التي يتكسب بعض المرشحين بالفئوية والعائلية والقبلية والطائفية عن طريقها، والتي جعلتنا نجد أنفسنا وسط صراع انتخابي يجسد الانقسام، فتركيز خطابات الدائرة الأولى حول الطائفية، والدائرتين الثانية والثالثة حول الحفاظ على "الهوية الوطنية"، أما في الرابعة والخامسة فأهم أولويات بعض مرشحيها "كرسي القبيلة".وإلى جانب هذا الانشقاق الاجتماعي الذي كرسه نظامنا الانتخابي نرى الصدارة الانتخابية لـ "نواب الخدمات" الذين يعتبرون "هوامير" سوق التكسب الانتخابي، فباستطاعتهم شراء الأصوات بصورة "قانونية"، عن طريق رشوة ناخبيهم مقابل الخدمات التي تعتبر أصلاً من حقوقهم الطبيعية كمواطنين بلعبة تديرها السلطة لإفراغ العمل البرلماني من محتواه.
هذه الممارسات أسباب جوهرية لتراجع الكويت أكثر فأكثر في التصنيفات الدولية على جميع الصعد، لتصطدم أحلامنا الإصلاحية بواقع ممارسة النواب البرلمانية التي أصبحت رهينة "سوق التكسب الانتخابي" الذي ازداد قوة بمرسوم الصوت الواحد. ورغم هذا التراجع المستمر للكويت على يد السلطة وأدواتها البرلمانية فإن ذلك يعتبر فقط حلقة ضمن مسلسل من تفريغ الانتخابات من محتواها الديمقراطي، فبعد حلقات تزوير الانتخابات عام 1967 وتعليق الدستور عامي 1976 و1986 نشهد اليوم اختراقاً غير مباشر للديمقراطية بنظام انتخابي يرسخ الانقسام ويفضل الأقلية على حساب الأغلبية، فهل من المعقول أن يكون نائب ممثلاً لـ "الأمة" بألفي صوت فقط في الدائرة الثانية، مثلاً، التي لا تشكل إلا 3 في المئة من إجمالي ناخبي الدائرة و0.03 في المئة من إجمالي الناخبين بجميع الدوائر؟نتيجة هذا النظام الانتخابي الذي يرسخ الفئوية وينصر المرشحين المتاجرين بالخدمات على أصحاب المبدأ والضمير هي مجلس تشكل فيه الحكومة أغلبية 80 في المئة عن طريق تحالف الحكومة بسياسة "العصا والجزرة" مع النواب الذين رشحوا أنفسهم أصلاً طمعاً في التكسب اللا وطني، فحتى لا يستمر هذا المسلسل الفاسد علينا أن نجعل إصلاح النظام الانتخابي مطلباً شعبياً موحداً بتوافق نيابي على مقترح واحد لتعديل النظام كحل مؤقت دون أن تتشتت المساعي على أكثر من قانون، فكلما انقسم النواب صعُب الإصلاح.كمواطنين وأصحاب للسلطة بموجب المادة السادسة من الدستور، لدينا فرصة ذهبية لنفرض كلمتنا في الانتخابات عن طريق اختيار المرشح ذي الطرح الوطني الاقتصادي والإصلاحي الموزون، فاجعلوا صوتكم الحر لمن يضع الحلول الواقعية والبرامج التنموية ويتعهد بتغيير النظام الانتخابي حتى ننقذ الوطن قبل فوات الأوان.