لم تكتف الدول المانحة بإظهار عدم ثقتها بالدولة اللبنانية من خلال إصرارها على توجيه مساعداتها عبر المنظمات المدنية والإنسانية فحسب، بل عرّتها من جديد في كلام شديد اللهجة صدر عن «الإليزيه»، أمس، بدا موجّها الى أهل الحكم في لبنان باسم الأسرة الدولية كلّها. وقالت الرئاسة الفرنسية إنه «لن يُقدم دعم مالي دولي للبنان حتى تشكيل حكومة»، محذرة من أن «التدقيق في حسابات مصرف لبنان المركزي أصبح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى».وأضافت، قبيل انعقاد مؤتمر عبر دائرة تلفزيونية لتقييم الوضع الإنساني في لبنان: «تحتاج إلى الثقة من أجل اقتراض أو إقراض المال، والثقة ليست موجود، وسنظل هكذا ما دامت لا توجد حكومة ذات مصداقية»، مضيفة: «لم تُنفذ أي إجراءات بموجب خارطة الطريق الفرنسية المقترحة لمساعدة لبنان».
وتابعت: «ما لدينا من معلومات يفيد بأن الوضع يزداد سوءا، ويتجه نحو مشاكل أسوأ، وهذا يزيد من أهمية إجراء تدقيق حقيقي (في حسابات المصرف المركزي)». واعتبرت أن «القوى العالمية ستواصل ممارسة ضغوط سياسية على الساسة في لبنان»، مشككة في فعالية العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة واستهدفت حلفاء لـ «حزب الله». وقالت: «العقوبات لم تغير شيئا على أرض الواقع. نحتاج إلى مواصلة فرض حملة من الضغوط السياسية العامة، فيما ندعم الشعب».
«بهدلة» دولية
وقالت مصادر سياسية متابعة، أمس، إن «البهدلة الدولية ستذهب كما سابقاتها، كصرخة في واد، وقد اعتادها المسؤولون في لبنان وما عادت تؤثّر فيهم». وأضافت: «لكن الأخطر، أن صمّهم آذانهم عن كل النصائح والتحذيرات، يدفع ثمنه اللبنانيون إذا استمرّ السلوك المتخبّط في إدارة الأزمة القاتلة التي يمرّ فيها البلد».وتابعت: «آخر نماذج هذا التخبط، ظهر في اللجان النيابية المشتركة التي بحثت في مصير دعم السلع الاساسية الحيوية في يوميات اللبنانيين، كالدواء والطحين والمحروقات، في ظل تناقص الاحتياطي في المصرف المركزي». وختمت: «غابت أي رؤية مشتركة لدى القوى السياسية لكيفية حلّ هذه المعضلة، في ظل تقاذف للمسؤوليات ولكرة النار هذه بينها من جهة وبين المصرف المركزي من جهة ثانية».مفاوضات الترسيم
في موازاة ذلك، بدأ الوسيط الأميركي المفاوض في ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، السفير جون ديروشيه، زيارته إلى لبنان أمس، بلقاء رئيس الجمهورية ميشال عون. وتأتي زيارة المسؤول الأميركي بعد تأجيل جلسة المفاوضات المباشرة، التي كان يفترض أن تعقد أمس بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي، في مقر الأمم المتحدة بالناقورة (جنوب لبنان). ومن الواضح أن السفير الأميركي سيعمل على حثّ لبنان للعودة إلى الاتفاق الأساسي، الذي تم وضعه وانطلقت المفاوضات وفقاً له. وهو خطّ هوف الذي ينص على التفاوض على مساحة 860 كلم، بدلاً من اللجوء إلى تقديم خرائط جديدة وتوسيع المساحة المتنازع عليها. وأبلغ عون، الوسيط الأميركي أن «لبنان المتمسك بسيادته على أرضه ومياهه، يريد أن تنجح مفاوضات الترسيم البحرية، لأن ذلك يعزز الاستقرار في الجنوب، وسيمكن من استثمار الموارد الطبيعية من غاز ونفط». وأضاف أن «الصعوبات التي برزت في الجولة الأخيرة للتفاوض، يمكن تذليلها من خلال بحث معمق يرتكز على الحقوق الدولية ومواد قانون البحار، وكل ما يتفرع عنها من نصوص قانونية». وأشار إلى أن «الوفد اللبناني المفاوض لديه تعليمات واضحة يفاوض على أساسها»، لافتا إلى «ضرورة استمرار هذه المفاوضات لتحقيق الغاية من إجرائها، وإذا تعثّر ذلك لأي سبب كان، يمكن درس بدائل أخرى».«المطارنة الموارنة»
إلى ذلك، حثّ «المطارنة الموارنة» في اجتماعهم الشهري، أمس، الجميع على «الإسراع في تشكيل السلطة الإجرائية لتسير بالبلاد نحو غايات وقف التدهور والأخذ بموجبات الإنقاذ»، معلنين «ضم صوتهم إلى صوت أبناء لبنان الساخطين من المحاولات المتكرِّرة لتمييع تشكيل حكومة جديدة، خلافا لما تعهدت به الكتل النيابية، أي حكومة اختصاصيين مستقلين تباشر بورشة الإصلاح الكبرى».قاسم
من ناحيته، صرح نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، نعيم قاسم، أمس بأنه "لا فرق بين ما قبل جو بايدن (الرئيس الأميركي المنتخب) أو ما بعده، فالمؤشرات تدل أنَّ البلد يتجه إلى الهاوية إذا لم يتم التدارك بتشكيل الحكومة في أسرع وقت، وكلُّ يوم يمر هو خسارة للبنان".وأعتبر أن "الأفضل أن يتم الحوار المباشر وتدوير الزوايا لاستعادة ثقة القوى السياسية ببعضها، فإذا اتفق المعنيون على أي حكومة فسيتعامل العالم معها وكذلك أميركا".وأضاف: "ما سنصل إليه لولادة الحكومة في المستقبل هو نفسه الذي يمكن إنجازه اليوم، ولا يمكن الاعتماد على الموقف الأميركي للتسهيل، أو لتحسين الشروط أو لعدم العرقلة".