دروس مستفادة
لا أحد ينكر الكم الهائل من التحديات الذي أثقلنا به عام 2020، وعلى رأسها فيروس كورونا الذي غير حياتنا رأساً على عقب وتشبعنا من أخباره التي لا تنتهي، لكن بإمكاننا أن نتوقف قليلاً ونرى الأمور بصورة مختلفة، فكورونا معلم حكيم أجبرنا على التنسك في بيوتنا ومراجعة أولوياتنا وماذا نريد من هذه الحياة، ولعله قلل هوسنا بالمظاهر وإطلاق الأحكام الفورية على الآخرين بناءً على مظهرهم الخارجي، فلم يبق شيء خلف الكمام سوى بريق الأعين!في حين ساهمت ضبابية المستقبل المجهول في جعلنا أكثر جدية في إدارة أموالنا واستثمارها بالأساسيات عوضاً عن الرفاهيات، لكن يبقى بالطبع أولئك الغارقون في الخوف والإنكار والذين يبالغون في شراء الكماليات كنوع من الهرب والتعويض، كذلك أدركنا عدم حاجتنا للخروج من المنزل لأداء الكثير من الأمور كالعمل أو شراء الحاجيات فأصبح الخروج للضرورة، بل أصبح الخروج بثمن وهو الكمام!فيا له من تغيير كبير خصوصاً للشخصية الكويتية المحبة للسفر والحياة، هنا نتساءل: كيف بإمكاننا توفير أجواء المتعة والمرح– قدر المستطاع- في منازلنا دون الحاجة للسفر أو الخروج المستمر؟
أظن أن من أهم الدروس المستفادة من «كورونا» الاعتماد على النفس والعناية بها وحمايتها من المرض دون مغالاة أو خوف مرضي، وكذلك ألا نثق تماما بكل ما نسمع ونرى، وأن نستعين بالتفكير النقدي، لا سيما في عصر «السوشال ميديا».أعتقد كذلك أن «كورونا» علمنا أن نكون أكثر إبداعاً، فأعدنا اكتشاف مواهبنا وصقلها بسبب المكوث في المنزل، ولعل بالإمكان تطوير هذه المواهب وجعلها مصدراً للدخل، فلا أحد بإمكانه أن يتكهن بالمستقبل الاقتصادي للعالم تحت هذه الظروف.بالتأكيد فإن الجائحة شكلت تحدياً صعباً لصحتنا النفسية، فذوبان الأيام وتكرارها الرتيب دون مفر أثقل كاهلنا، وكذلك العزلة عن الأصدقاء والأحباب والحرمان من معانقتهم وملامستهم عذاب نفسي شديد يخترق إنسانيتنا مباشرةً، فلن تعوضنا الشاشة عن دفء الحديث والأحضان على أرض الواقع.يبقى الامتنان واجباً فهنالك من هم أسوأ منا حظاً فيجب ألا تعزلنا فقاعة الرفاهية عنهم، كثرٌ هم من خسروا وظائفهم أو مشاريعهم الصغيرة، وهنالك الكثيرون ممن لديهم مسؤوليات كبيرة كإطعام عائلة ودفع ثمن الإيجار وغيره، فظلوا دون مدخول يذكر، في حين فقد آخرون أحبابهم بسبب الفيروس اللعين ولم يستطيعوا قضاء آخر الأيام معهم بسبب الحجر الصحي. كم تبدو مشاكلنا سخيفة الآن!لا يزال الوباء واقعاً مفروضاً على البشرية جمعاء، ولن ينفع البكاء والشكوى، فالآن وقت اختبار مرونتنا النفسية وقدرتنا على تحمل بضعة أشهر إضافية على الأقل إلى حين ظهور اللقاح أو حلول عملية أخرى.