«كوفيد 19» يهزم جيسكار ديستان
الرئيس الفرنسي البورجوازي الذي تبنى أجندة تقدمية
بوفاة الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان «عن 94 عاماً جرّاء إصابته بفيروس «كورونا» المستجدّ، تغيب شخصية وضعت فرنسا على سكّة الحداثة وأرست مداميك أساسية للبنيان الأوروبي الموحّد.أسرة الراحل، الذي توفي في منزله بلوار إيه شير، أمس الأول، متأثراً بمضاعفات كوفيد 19، نعته في بيان، مشيرة إلى أنّ جنازته ستكون حدثاً عائلياً خاصاً وفقاً لرغبته.وجيسكار ديستان الذي أُدخل المستشفى مرّات عدة خلال الأشهر الأخيرة بسبب مشاكل في القلب كان لدى انتخابه في عام 1974 أصغر رئيس في تاريخ الجمهورية الخامسة التي أرسيت عام 1958، إذ كان عمره 48 عاماً عندما تسلّم مفاتيح قصر الإليزيه، بفوزه على الاشتراكي فرنسوا ميتران، وأراد تجسيد الحداثة المنبثقة عن يمين الوسط الليبرالي والديمقراطية المسيحية التي بنت أوروبا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وشكّل عهد هذا الرئيس الوسطي قطيعة مع النزعة الديغولية المحافظة التي طبعت فرنسا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدءاً بعهد شارل ديغول نفسه، ثم وريثه السياسي جورج بومبيدو.وأجرى جيسكار ديستان حملة إصلاحات جذرية تضمّنت تشريع الإجهاض وتحرير الطلاق وخفض سنّ الاقتراع إلى 18 عاماً.وفي أوروبا، ساعد في الدفع قدماً نحو الاتحاد النقدي بالتعاون الوثيق مع المستشار الألماني هيلموت شميدت الذي أصبح «صديقاً» له.وعلى غرار شميدت، كان الرئيس الراحل من المؤمنين بشدّة بأهمية الروابط القوية مع الولايات المتحدة.كما يُعتبر الأب المؤسّس لـ«مجموعة السبع» (G7) إذ إنّ قادة هذا النادي الذي يضمّ الدول الصناعية الأغنى في العالم اجتمعوا للمرة الأولى في عام 1975 بدعوة منه، بقمّة سرعان ما أصبحت موعداً سنوياً. وتخلّى الرجل الطويل القامة الذي ينتمي إلى عائلة بورجوازية كبيرة، عن الأبهة الرئاسية في الصورة الرسمية وعمد إلى تفتيح اللونين الأحمر والأزرق في العلم الفرنسي وأبطأ وتيرة لحن النشيد الوطني.وكان يعزف الأكورديون ويحل ضيفاً على موائد الفرنسيين ويستضيف في قصر الإليزيه عمال تنظيفات من مالي على وجبة فطور بمناسبة عيد الميلاد.لكن رغم ذلك، كان نتاجاً صرفاً للنخبة الفرنسية. فقد تخرج من معهد «بوليتكنيك» ومدرسة الإدارة العليا، وتميز في صفوف الجيش خلال تحرير فرنسا، ومن ثم خلال ثمانية أشهر في ألمانيا والنمسا حتى استسلام ألمانيا.دخل إلى الحكومة عام 1959 وتولى حقائب وزارية عدة لاسيما الاقتصاد والمال في الستينيات والسبعينيات. وتغلب على جاك شابان ديلماس فارضاً نفسه زعيماً لليمين حتى فوزه بالرئاسة عام 1974.وبعد بدايات واعدة، عانت شعبية «جيسكار»، كما كان يطلق عليه غالباً في فرنسا، بسبب التباطؤ الاقتصادي وقضايا مختلفة مثل انتحار روبير بولان أحد الوزراء الفرنسيين المشتبه فيهم، والماسات التي قدمها له رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فضلاً عن تغيير في سياسته التي باتت محافظة أكثر.في 10 مايو 1981 فشل في الفوز بولاية ثانية أمام ميتران الذي تفوق عليه بمليون صوت وبات بذلك أول رئيس يساري في الجمهورية الخامسة. وبعد مغادرته الإليزيه، غرق الرئيس الأسبق في مرحلة اكتئاب عميق. ونعى الرئيس إيمانويل ماكرون والرئيسان السابقان نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند الرئيس الراحل، معتبرين أنّ «عهده غيّر فرنسا».(باريس ـــ وكالات)