العم الشايع وصورة من «أصداء الذاكرة»
لم ينسنا رحيل العم المرحوم عبدالعزيز الشايع "أصداء ذاكرته" التي لم ترحل بغيابه عنا، بل حفرت آثارها في ثنايا الأيام التي جمعتنا به على مدى أكثر من ثلاثين عاماً. "أصداء الذاكرة" جعلته واحداً من أبناء جيله الذي حفر في الصخر ليخوض غمار البحر، ويهاجر إلى شواطئ وموانئ الهند، ثم يعود إلى الكويت عام 1952 ليكون من بناة هذا الوطن الذي كان يعيش فترة النهوض وورشة البناء في عقدي الخمسينيات والستينيات. الشاهد على تلك المرحلة ينتمي إلى مجموعة من المنضوين في القطاع الخاص والذين لعبوا دوراً أساسياً بتجنيب البلاد أزمة غذائية أثناء الحرب العالمية الثانية، وهم من ساهموا في عملية التأسيس الاقتصادي للدولة وصولاً إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
أصداء الذاكرة رسمت معالم حياة جيله ومن سبقه وفي عصر ما قبل النفط، فالمؤسسات الاقتصادية التي أقامها عدد من التجار ربطت بين دورها الاقتصادي والجانب الوطني لجهة وعيها بضرورة قيام دولة حديثة. كان عليه تصويب الاعتقاد السائد بأن الكويت لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بسبب النفط، بينما الواقع يختلف كثيراً عن هذا الاعتقاد، فنهضة البلاد بدأت واستمرت وآتت أُكلها، وخصوصاً في المرحلة الزمنية الممتدة بين الأعوام 1935 و1975 تقريبا. تواضعه الشديد جعله قليل الكلام والاعتداد بالنفس، كما يحلو للبعض أن يمارسه في حياته العامة، وفي "أصداء الذاكرة" أباح بدوره عن مساهماته في الشأن الوطني والعام، فأولى المحطات كانت ما قدّمه مع رفاقه في إنشاء بنك الكويت الوطني، باعتباره مشروعاً رائداً في تاريخ الكويت المالي والمصرفي. ثم علاقته بإصدار جريدة "القبس" عام 1972 مع مجموعة من العوائل التجارية المتجانسة بالأهداف والتطلعات، ثم دوره بإنشاء الجمعية التعاونية بالشامية وعضويته في المجلس البلدي منذ عام 1963 – 1965 وكذلك إنشاء اللجنة الشعبية لجمع التبرعات، التي أسست عام 1954 وما زالت حتى اليوم تعمل بصمت، كما هو حال المؤسسين، وأيضاً مساهمته بتأسيس جمعية الهلال الأحمر الكويتي مع سبعة عشر شخصاً آخرين في عام 1965.وفي المجال التجاري كانت له الأيادي الكبيرة في إنشاء فندق الشيراتون وفندق أوبروي بالمدينة المنورة، ثم امتدت الأعمال ليكون مجمع الأفينيوز أحد أبرز المشروعات الحيوية والتجارية والشركات الأخرى المساهمة بقيادة أحد أبنائه الذين ساروا على درب والدهم. كان ديوان المرحوم العم الشايع، عامراً برواده ومواظبته على استقبال الضيوف الزائرين من رؤساء الدول إلى رؤساء الوزراء إلى الشخصيات الدبلوماسية والمحبين له من أهل الكويت، هذا الديوان تحوّل إلى مقر لسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الراحل الشيخ سعد العبدالله، عندما عادت القيادة السياسية إلى الكويت بعد تحريرها عام 1991. بفقده، تفقد الكويت أحد أبنائها المؤسسين الذين أعلوا من شأنها في المجالات الاقتصادية والسياسية والوطنية. رحم الله العم بوحمد، الشخصية المتأصلة بالتواضع... والتي كانت وستبقى في الذاكرة.سيذكرُك أهلك ومحبوك بما جادت به مسيرتك بأفعال الخير والتواد وجمع الشمل.