دروس في ترشيد الإنفاق

نشر في 06-12-2020
آخر تحديث 06-12-2020 | 00:05
راشد الراشد
راشد الراشد
سوف تكون مقالتي تحديداً عن مواقف صغيرة تلمستها بشكل مباشر من هذا الرجل الذي صورته أمامكم، وتحمل هذه المواقف إذا أردت ترجمتها معاني كبيرة وعميقة ورائعة بشأن ترشيد الإنفاق والحرص الشديد على موارد الدولة المالية، لوقف أي هدر وتبذير للمال العام، حتى ولو كان لأمر بسيط جداً.

في عام 1976، كُنت موظفاً صغيراً في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية، عندما كان العمل بداخل مبنى صغير ومتواضع بشارع السور قبل الحالي، فخطرت على بالي فكرة امتداد لنشاطاتنا الطلابية قبل العمل الحكومي، وهي دعوة سفرائنا الذين يعملون بالخارج عندما يأتون إلى الكويت فترة إجازاتهم السنوية لإلقاء محاضرة بالوزارة، لنستفيد من خبراتهم وتجاربهم، ووافقني وكيل الوزارة الأستاذ راشد عبدالعزيز الراشد بشدة، وقال: هل لديك استعداد لترتيب هذا البرنامج؟ فقلت بكل ثقة: نعم، فرد: على بركة الله.

اتصلت بمدير المخازن المرحوم عبدالمحسن النصار، وطلبت شراء ٤٠ كرسياً لجلوس الزملاء الدبلوماسيين، حيث لا توجد بالوزارة قاعة للمحاضرات، واشتراها جزاه الله خيرا بتكلفة الكرسي الواحد ٥ دنانير، ويعتبر مبلغاً زهيداً ومتواضعاً في ذلك الوقت، وقمت بتجهيز الطاولة التي سيجلس خلفها السفير عند إلقاء المحاضرة، واشتريت مفرشاً أخضر لم يكلف ديناراً واحداً، وفي الوقت المتفق عليه حضر مديرو الإدارات والدبلوماسيون بالوزارة، وألقيت المحاضرة، واستفاد الجميع من النقاش والأسئلة والمداخلات.

بعد عدة أيام استدعاني الوكيل ليعاتبني بشدة على طلب شراء الكراسي الجديدة، والبديل هو تجميع عدد الكراسي المطلوبة من مكاتب موظفي الوزارة، ثم إعادتها بعد الانتهاء، حيث إن المحاضرة ستعقد بعد المغرب في الوزارة، وستكون مكاتب الموظفين خالية بهذا الوقت، وأدركت حينئذ حرصه الشديد على المحافظة على المال العام، وبالإمكان إيجاد بدائل أخرى، رغم أن المبلغ زهيد جداً.

موقف آخر عندما انكسرت قاعدة كرسي دوار لأحد المديرين، فبدلاً من استبداله بشراء كرسي جديد، أرسل الكرسي للحدادين في الشويخ لتصليح الجزء المكسور وإجراء اللحام اللازم، وأعيد مرة أخرى للوزارة.

وأتذكر أيامها أنه لم يكن لدى الوزارة إلا سيارتين فقط، الأولى للوزير والثانية للوكيل، والوزارة غير مسؤولة عن توفير أو شراء سيارات للسفراء والمديرين، أو إعطاء أي امتيازات أخرى لهم زيادة على الراتب.

للأسف الشديد، في الوقت الحاضر نجد مكاتب موظفي الدولة عموماً فخمة وفارهة، وتُكلف الدولة أموالاً طائلة لا داعي لها، فهي لا ترفع من قدر الموظف أو تقلل من شأنه إذا كان المكتب صغيراً، فالقياس بحجم الإنتاج والعطاء.

دروس تعلمتها من أستاذي راشد الراشد، وأتمنى أن تستفيد منها الأجيال الحالية.

back to top