الخليج وثقافة الديمقراطية (4) «المعوق الثقافي الديني»
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
ذلك لأن الإعجاب بحكم الفرد ثقافة راسخة الجذور في الوعي الجمعي الخليجي والعربي، وله امتداد طويل في العمق التاريخي، ومحصن بمرويات دينية وفقهية تراثية، فـ"سلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، و"أطع الحاكم ولو جلد ظهرك"، وقديماً شرعن الفقهاء "إمامة التغلب" وجعلوا "سيف الإمام" مصدر المشروعية، وعلى الأمة الطاعة والصبر والدعاء للسلطان بالهداية والبطانة الصالحة حتى يأتي الله بالفرج. ثقافتنا الدينية معوقة لثقافة الديمقراطية، وقد أنتجت قناعتين سائدتين:1- إن الحكم الفردي لا يعد نقيصة، إنما هو حزم مطلوب سياسياً، ويحقق إنجازات سريعة، لذلك سوغ إجهاض مبدأ الشورى من مضمونه ليرادف (حكم الفرد أو النخبة) في مقابل تصوير الحكم الديمقراطي، بأنه حكم الرعاع والغوغاء والأهواء.2- إن خطايا ومظالم بل كوارث (المستبد العربي) مغفورة مادام يرفع لواء الغزو لتوسيع رقعة دولة الإسلام كما في الماضي، أو يرفع شعار مقاومة إسرائيل وأميركا والغرب كما في العصر الحديث. قديماً أنشد شاعر الحكمة الأكبر بيته المشهور:وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُوقبله تغزل ابن أبي ربيعة الشاعر الأموي وشرعن الاستبداد بقصيدته: لَيتَ هِنداً أَنجَزَتنا ما تَعِدوَشَفَت أَنفُسَنا مِمّا تَجِدوَاِستَبَدَّت مَرَّةً واحِدَةًإِنَّما العاجِزُ مَن لا يَستَبِدليتكئ عليه الرشيد لاحقاً للتنكيل بالبرامكة. علينا مصارحة أنفسنا، حكم الفرد ليس مستنكراً، لأننا نمارسه في حياتنا اليومية: في بيوتنا، في مدارسنا، في أعمالنا، في علاقاتنا الخليجية والعربية، وما نعانيه اليوم من أزمات هو بعض ثمراته. جماهير عريضة تؤمن بأن حكم الفرد أصلح لمجتمعاتنا، وأضمن للاستقرار والأمن، وأسرع في التنمية والإنجاز، من الحكم الديمقراطي الذي تتنازعه الأهواء الحزبية والعشائرية والطائفية والعائلية المعوقة للتنمية والتطور، ودائماً يتخذ من الممارسة الديمقراطية الكويتية شاهداً.مفهوم الإصلاح عند السلف:لو كان حكم الفرد غير ممجد لما جاهدت التنظيمات الإسلامية في سبيل إحياء نظام الخلافة، أسوأ أنماط الحكم الفردي، لأن العقلية التراثية استحوذ عليها مفهوم سلفي للإصلاح (إذا صلح الحاكم صلحت الرعية) انطلاقاً من (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) فربطوا الإصلاح بمجيء (الإمام العادل) وهمشوا دور قوى المجتمع المدني، مع أن القرآن يقرر "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، فطال انتظار الحاكم العادل وتأجل الإصلاح. الإصلاح ليس معطى جاهزاً والعلاقة تفاعلية: صلاح الحاكم معين على إصلاح المجتمع، كونه مرتبطاً بالنظام السياسي، لكن صلاح الحاكم وحده غير كاف، والفساد إذا سرى للمجتمع وتقبله، أهلك نفسه والدولة معاً.أخيراً: لا رسوخ للديمقراطية قيماً وممارسة في التربة الخليجية إلا بتفكيك الثقافة المعوقة. وللحديث بقية. * كاتب قطري