مهمة التنمية المستدامة
من المقرر أن يشهد عام 2021 ثلاثة اجتماعات رئيسة للأمم المتحدة، بشأن الحفاظ على التنوع البيولوجي، والأنظمة الغذائية، والمناخ، وكل هذه فرص لإطلاق مهمة جيلنا الجريئة من أجل التنمية المستدامة، ولاغتنام هذه الفرص ينبغي للحكومات والأوساط الأكاديمية والشركات أن تعمل لرسم المسارات إلى المستقبل الذي نريده ونحتاج إليه كثيرا.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
كانت الرحلة إلى القمر "مهمة" ذات سمات تنظيمية- والتي وصفها باقتدار المؤرخ دوغلاس برينكلي في دراسته بعنوان "American Moonshot"- والتي كانت شديدة الأهمية لضمان النجاح، كان للمهمة هدف واضح وجدول زمني، وخطة شديدة الدقة تعتمد على كليهما، وصممت وكالة الفضاء الأميركية ناسا مهمة من ثلاثة فصول، بما في ذلك رحلات عطارد لرائد منفرد، والرحلات التي ضمت رائدين في إطار مشروع جيمناي، ورحلات أبولو التي ضمت ثلاثة رواد فضاء والتي ذهبت في النهاية إلى القمر وعادت. كان هناك التزام وطني ببرنامج متكامل بين القطاعين العام والخاص، والذي ضم في النهاية نحو عشرين ألف شركة خاصة ونحو 400 ألف عامل في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. وأخيرا، اشتمل الأمر على التزام بميزانية فدرالية ضخمة وواقعية مولت الجهود من عام 1961 حتى اكتماله في عام 1969.في عام 2021، مع تولي الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه، ستعيد الولايات المتحدة التزامها بأهداف التنمية المستدامة، وتعود إلى الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، وتلتزم بالتعاون في إطار هذه الجهود مع بقية العالم، ولا يتطلب النجاح التزاما أقل جرأة من الالتزام الذي شهدناه في ما يتصل بالرحلة إلى القمر، لكن الأهداف هذه المرة على الأرض وبتنفيذ جميع البلدان معا لا من خلال العمل الفردي.يجب أن تُـشـرِك مهمة التنمية المستدامة القطاعين العام والخاص في مختلف أنحاء العالم، وأن تحرص على حشد المثالية، والطاقة، والبراعة الرقمية التي يتمتع بها شباب اليوم، كما يتطلب توفير تحفيز الطلب والاختراقات التكنولوجية اللازمة لدفع التعافي العالمي والتقدم الاقتصادي المطول بعد كوفيد19 تحديد أهداف وخطط طموحة طويلة الأجل، ومعالم رئيسة وسيطة، والتمويل اللازم لتحقيقها، ففي بداية عام 2020، تبنت أوروبا مثل هذا النهج في التعامل مع المهمة من خلال صفقتها الخضراء الأوروبية والبرنامج المصاحب للبحث والاستثمار (الأفق أوروبا). وقد ساقت الخبيرة الاقتصادية ماريانا مازوكاتو بحكمة وإقناع الحجج لصالح توجهات مهمة أوروبا.تدعو الصفقة الخضراء الأوروبية إلى إزالة الكربون من نظام الطاقة بحلول عام 2050، وإدارة اقتصاد دائري في الاتحاد الأوروبي يحد من التلوث الصناعي، ووضع برنامج شامل "من المزرعة إلى طاولة الطعام" لتحقيق نظام غذائي مستدام وصحي، وقد ساعد التزام أوروبا بإزالة الكربون بحلول عام 2050 في حث اليابان وكوريا على التعهد بالالتزام ذاته، وحفز الصين على التعهد بإزالة الكربون بحلول عام 2060، وهو الموعد الذي يمكن، بل ينبغي، تقديمه إلى عام 2050.مؤخرا، قمت أنا وزملائي في فرع الولايات المتحدة من شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة بوضع خطة عمل الكربون صِـفر التي ترسم مسارا تكنولوجيا وماليا وتوظيفيا لإزالة الكربون من نظام الطاقة في الولايات المتحدة بحلول عام 2050، ومثلها كمثل الرحلة إلى القمر والمهام التكنولوجية اللاحقة التي نفذتها الولايات المتحدة (بما في ذلك إنشاء الإنترنت وتسلسل الجينوم البشري)، تسعى خطة عمل الكربون صِـفر إلى إقامة شراكة بين القطاعين العام والخاص لإنجاز أربعة أهداف رئيسة: تحويل كل عمليات توليد الطاقة إلى الموارد الخالية من الكربون، وخاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية؛ وتبني المركبات الكهربائية؛ وتحويل المباني من التدفئة بالنفط والغاز إلى الكهرباء؛ والتحول من الفحم والنفط والغاز في الصناعة إلى الهيدروجين وغير ذلك من أشكال الوقود "الخضراء" (الخالية من الكربون). يتلخص هدف خطة عمل الكربون صِفر الأساسي في مساعدة إدارة بايدن والكونغرس القادم في القيام بما تجد الحكومات القيام به صعبا في عموم الأمر: التفكير في المستقبل حتى ثلاثين عاما إلى الأمام، من خلال تحديد هدف واضح ورسم المسارات التكنولوجية والمالية للوصول إلى هذا الهدف، وتوضح خطة عمل الكربون صِـفر بشكل مقنع إمكانية إزالة الكربون بحلول عام 2050، فبتكلفة سنوية متزايدة لأنظمة الطاقة تقل عن 1% من الدخل الوطني الأميركي، يستطيع الاقتصاد الأميركي أن يكمل تحول الطاقة في حين يعمل على زيادة الوظائف، والحد من تلوث الهواء، ومعالجة الاحتياجات الخاصة للمجتمعات المتضررة بشدة من أجل ضمان الانتقال العادل.يتمثل المفتاح إلى فِـكر المهمة في تحديد المسارات التكنولوجية إلى النجاح والسياسات والأموال اللازمة لملاحقة تلك المسارات. بطبيعة الحال لا يمكن معرفة كل خطوة على المسار الفعلي في البداية، إذ كان لزاما على ناسا أن تبتكر وتبدع عند كل خطوة في مهمة الرحلة إلى القمر، وكان المهندسون يسارعون بلا هوادة وبكل براعة إلى تطوير تكنولوجيات جديدة من أجل التغلب على العقبات، ومع ذلك فقد حددت ناسا المعالم الرئيسة لمهمة الرحلة إلى القمر بحلول أواخر عام 1962.على المنوال نفسه، لا يزال هناك العديد من المجهولات الحرجة في ما يتصل بتحول الطاقة حتى عام 2050، مثل أفضل الحلول الخالية من الكربون للطيران، والشحن البحري، وصناعة الفولاذ، وبعض الصناعات الثقيلة الأخرى، ولكن لكل مشكلة صعبة، هناك العديد من الحلول الممكنة التي يمكن استكشافها من خلال مشاريع البحث والتطوير الموجهة. على نحو مماثل، لا يزال أمامنا الكثير مما يجب أن نتعلمه حول أفضل السبل لاستخدام التكنولوجيات الرقمية الجديدة لمكافحة الفقر المدقع (هدف التنمية المستدامة الأول)، وضمان تغطية الرعاية الصحية (الهدف الثالث)، وضمان حصول الجميع على التعليم (الهدف الرابع)، لكن العديد من المشاريع الإيضاحية الواعدة جارية في مختلف أنحاء العالم.وعلى هذا فقد يمثل العام المقبل اختراقا لمصلحة كوكب الأرض، نهاية إيجابية للوفيات واليأس في عام 2020، فمع تصميم سياسات الصحة العامة المكثفة في مختلف أنحاء العالم على غرار النجاحات التي حققتها دول آسيا والمحيط الهادئ، ومع ظهور اللقاحات، يصبح من الممكن السيطرة على الجائحة، وبالتالي فتح الطريق لبداية عالمية جديدة للتنمية المستدامة.من المقرر أن يشهد عام 2021 ثلاثة اجتماعات رئيسة للأمم المتحدة- بشأن الحفاظ على التنوع البيولوجي (في كونمينج في الصين في مايو)، والأنظمة الغذائية (في مقر الأمم المتحدة في سبتمبر)، والمناخ (في غلاسكو في نوفمبر)، وكل هذه فرص لإطلاق مهمة جيلنا الجريئة من أجل التنمية المستدامة، ولاغتنام هذه الفرص ينبغي للحكومات والأوساط الأكاديمية والشركات في مختلف أنحاء العالم أن تعمل سوية بشكل مكثف في الأشهر المقبلة لرسم المسارات إلى المستقبل الذي نريده ونحتاج إليه كثيرا.* جيفري ساكس*أستاذ التنمية المستدامة وأستاذ سياسات الصحة والإدارة في جامعة كولومبيا، وهو مدير مركز كولومبيا للتنمية المستدامة وشبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة.«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»
مع تصميم سياسات الصحة العامة المكثفة في مختلف أنحاء العالم وظهور اللقاحات من الممكن السيطرة على الجائحة