تداولات محمومة تشهدها الأسواق العالمية مؤخرا، لدرجة أن الوسطاء يعانون من أجل اللحاق بالركب، وسط التفاؤل الأخير باللقاحات ضد وباء كورونا.

لكن مخالفة الذهب للاتجاه مؤخرًا تطرح تساؤلاً عما إذا كان المعدن النفيس سيصبح الضحية الأولى قبل انفراط عقد «ارتفاع كل شيء»؟

Ad

ورغم أن البيئة الحالية تختلف عن أيّ شيء رأيناه من قبل، كما يقول مؤسس شركة «إنتر أكتف» للوساطة الأميركية «توماس بيترفي»، لكن هذا الوضع يمكن تفهمه، والسبب في ذلك، وفقًا لـ«بيترفي» أن «المال الآن سهل للغاية، فلماذا لا تقترض ما يمكن اقتراضه واستثماره في الأسهم؟ هذا ما يفعله عملاؤنا، وهم يجنون الكثير من المال».

وفي حقيقة الأمر، عانت كل شركات الوساطة الأميركية عطلاً واحداً على الأقل خلال شهر نوفمبر، بحسب موقع تتبع مشكلات الخدمة عبر الإنترنت «داون ديتكتور»، في إشارة للتداولات المحمومة.

وقاد مستثمرو التجزئة التعافي القوي الذي شهدته سوق الأسهم من صدمة «كوفيد - 19»، لتمتلئ صفحات الإنترنت بمشاركات تتنوع بين التفاخر بالمكاسب والحزن عند الخسارة، في حين شهد مؤشر «إم إس سي آي» للأسهم العالمية ارتفاعًا بنحو 12.2% خلال نوفمبر الماضي، في أفضل أداء شهري له على الإطلاق، ليصل لمستوى قياسي جديد، وأضاف مؤشر الأسهم العالمية 30 تريليون دولار للقيمة السوقية، مقارنة مع أدنى مستوياته المسجلة في مارس الماضي، أي عند ذروة الوباء.

«ارتفاع كل شيء»

وفي الواقع، هناك حالة أطلق عليها بعض المحللين «ارتفاع كل شيء»، حيث شهدت السندات غير المرغوب فيها «سندات الخردة» والنحاس والنفط وحتى البيتكوين ارتفاعًا بشكل حاد.

وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، قفزت العقود الآجلة للنحاس إلى أعلى مستوى منذ مارس عام 2013، بدعم إشارات حول الطلب المتزايد على المعدن الصناعي، مع حقيقة أن «غولدمان ساكس» يتوقع صعود سعره لمستويات قياسية جديدة أعلى 10 آلاف دولار للطن بحلول النصف الأول من 2022، كما أن خام الحديد ارتفع سعره أيضًا لأعلى مستوى في سبعة أعوام، بسبب توقعات إنتاج كميات أقل من الخام في العامين الحالي والمقبل.

في غضون ذلك، كانت الأسواق الرئيسية الوحيدة التي تعرضت لضربة هي الملاذات الآمنة التقليدية مثل سندات الخزانة الأميركية والذهب، وفقد الذهب نحو 5.6% من قيمته خلال شهر نوفمبر الماضي، ما يعادل تقريباً 106 دولارات، وسط تزايد شهية المخاطرة لدى المستثمرين.

وبالنظر للوراء قليلاً وبحلول الوقت الذي تفشى فيه الوباء، كان مؤشر «S&P 500» مرتفعاً بنحو 44% والذهب بنسبة 32% والسندات بنحو 32% والبيتكوين بنسبة 160%.

وباختصار، فإن «ارتفاع كل شيء» كان يعني الارتفاع المتزامن في الذهب والسندات والأسهم والبيتكوين.

وعندما تم التعامل مع تداعيات الفيروس، عبر خفض معدل الفائدة والتحفيزات، كان الوضع مشابهًا، حيث ارتفع كل من الذهب ومؤشر «ناسداك» والسندات والبيتكوين بنحو 40% و78% و19% و300% على الترتيب منذ القاع المسجل في الربيع الماضي وحتى الذروة المسجلة مؤخرًا.

ويعني ذلك أن الجولة الثانية من «ارتفاع كل شيء» كانت بنفس قوة الجولة الأولى، بيد أن الموجة البيعية في الذهب كانت أول علامة على الانهيار في هذا الصعود الجماعي.

التفاؤل العالمي

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي الأخيرة إلى أن الاقتصاد العالمي من المرجح أن ينكمش بنسبة 4.4% خلال العام الجاري، وهي أكبر وتيرة انخفاض لم نشهدها منذ فترة الكساد الكبير.

ومع ذلك، أثار ظهور العديد من اللقاحات ضد فيروس «كورونا» موجة من التفاؤل بأن الاقتصاد العالمي يستعد للتعافي القوي في عام 2021، مع انحسار الوباء... «كان اللقاح هو مغير قواعد اللعبة، الأمل شيء، ورؤية الدليل شيء آخر تمامًا»، حسبما ذكر كبير المحللين الاستراتيجيين في غولدمان ساكس بيتر أوبنهايمر.

ويضيف أوبنهايمر: «كان الدليل (اللقاح) أفضل بكثير مما توقعه الغالبية العظمى، ما زلنا متفائلين بأن أسواق الأسهم ستحقق عوائد جيدة للغاية في العام المقبل».

انهيار في الأفق

وفي المقابل، يوصي مدير وحدة الاستثمار في بنك أوف أميركا، مايكل هارتنت، المستثمرين بتقليل تعرضهم للأسهم في الأسابيع والأشهر القادمة، بحجة أن الأسواق تقترب الآن من مرحلة السوق الصاعد بالكامل وعرضة لحدوث انتكاسة.

كما يعتقد مؤسس مجموعة الاستثمار جي إم أو «جيرمي جرانثام» أن الأسواق قد تجاوزت مرحلة الصعود الكامل، وهي الآن في المرحلة الأخيرة لانهيار الفقاعات، قائلاً: «هناك قدر من الجنون الآن، كما كان الحال في أواخر عام 1999 أو عام 1929».

وكانت المرحلة الأولى من الارتفاع مدعومة بحزم التحفيز المالي والنقدي الهائلة التي ضختها البنوك المركزية والحكومات في كل أنحاء العالم، بما يبلغ مجموعه تريليونات الدولارات.

ويظل تأثير السياسة النقدية التيسيرية واضحاً للغاية بما في ذلك معدلات الفائدة المنخفضة واحتمالات بقائها هكذا لسنوات قادمة، بمثابة المحرك المهيمن في أسواق الأسهم العالمية.

وخلال شهر نوفمبر تحول التفاؤل إلى حالة من «شبه النشوة»، حيث حقق جو بايدن تقدماً في انتخابات الرئاسة الأميركية، لكن الديمقراطيين فشلوا في السيطرة على مجلس الشيوخ - حسبما تشير حسابات أغلب التقارير الإعلامية- وهو ما كان بمثابة النتيجة المثالية بالنسبة للعديد من المستثمرين. وبعد ذلك، أعلنت شركات «فايزر-بيونتيك» و«موديرنا» و«أسترازينيكا» أنها طورت لقاحات ضد فيروس «كورونا» كانت في معظم الحالات أكثر فاعلية مما كان متوقعًا، كما أن نتائج أعمال الشركات عززت التفاؤل في ساحات تداول الأسهم العالمية.

وعلاوة على ذلك، أعلن بايدن في الأسبوع الماضي أنه سيعين رئيسة بنك الاحتياطي الفدرالي السابقة «جانيت يلين» وزيرة للخزانة الأميركية، في خطوة تثير احتمالية صنع سياسة مالية ونقدية منسقة وجريئة لمكافحة الضرر الاقتصادي الذي أحدثه وباء «كوفيد - 19».

وأظهر مسح حديث أجراه «بنك أوف أميركا» أن تفاؤل مديري الصناديق الاستثمارية بشأن الأسهم قفز لأعلى مستوياته منذ أوائل عام 2018، عندما كانت الأسواق تتفاعل إيجابًا مع التخفيضات الضريبية التي أقرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشركات.

وفي الواقع، استحوذت صناديق الأسهم عالمياً على نحو 90 مليار دولار منذ بداية نوفمبر، بعد أقوى موجة تدفقات داخلة لمدة ثلاثة أسابيع متتالية على الإطلاق.

ويقدر بنك «غولدمان ساكس» أن المراكز القصيرة للأسهم الأميركية أو الرهانات على هبوط الأسهم تقف عند أدنى مستوى على الأقل منذ عام 2004.

وتقول كبيرة محللي الاستثمار في تشارلز شواب «ليز آن سوندرز»: «لقد عززت اللقاحات وجهة النظر القائلة بأنه حتى لو كنا لا نزال داخل النفق، فهناك ضوء في نهايته».

وبينما فقدت أسهم البنوك الأوروبية وأسهم الطاقة العالمية حوالي نصف قيمتها في القاع الذي شهده مارس، فإنها ارتفعت بنحو 30% و35% على التوالي خلال نوفمبر.

وسجلت أسهم الأسواق الناشئة مكاسب بأكثر من 9% خلال نوفمبر، في أكبر زيادة شهرية، منذ ما يقرب من 4 سنوات، كما أن سندات الخردة عوضت تقريبًا كل خسائرها المسجلة في عام 2020، ومع ذلك، هناك خطر يتمثل في أن الأسواق المليئة بالتحفيز والرضا عن اللقاحات قد تصبح غافلة عن المخاطر الاقتصادية المباشرة التي لا تزال قائمة، والأضرار الهائلة طويلة المدى التي خلفها الوباء بالفعل.

وفي هذا الشأن، يعترف «مورغان ستانلي» بأن هناك خطرًا على المدى القريب للأسواق، فيما يشير «غولدمان ساكس» إلى أن التوقعات على المدى الطويل أكثر ضبابية بالنظر لأعباء الديون الشديدة، والتي يعتقد أنها ستؤثر بمرور الوقت على النمو وأسعار الأسهم المرتفعة بالفعل.

ويحذر البعض من أن رفض الحكومات مواصلة التحفيزات وتقليص الإنفاق بسرعة كبيرة، كما حدث في أعقاب الأزمة المالية العالمية، من شأنه أن يقوض تعافي الأسواق.